مصر توقّع اتفاقاً مع «موانئ أبوظبي» لإنشاء منطقة لوجيستية وصناعية ببورسعيد

في قلب جدة التاريخية، حيث تقاطعت الأزمنة وتجاورت الحكايات بين جدران حارة المظلوم وزقاق سعود بن حارث، فُتحت الستارة من جديد على صفحة مشرقة من ذاكرة السينما السعودية. هنا، يعود «حوش الجمجوم» إلى الحياة، ولكن باسم جديد وطموح متجدد هو «سينما البلد»، التي أول دار عرض فنية ثقافية مستقلة تنطلق من أحد مواقع التراث العالمي المعترف بها من اليونيسكو، بدعم من وزارة الثقافة وبالشراكة مع مبادرة «بلد الفن» وبرنامج شركة تطوير البلد.

وتستمر فعاليات هذا المشروع الثقافي الطموح، الذي أعاد ابتكار تجربة العرض السينمائي بما يتماشى مع الطابعين المعماري والتاريخي لجدة القديمة، حتى منتصف الشهر المقبل، ليتم تقديم عروض سينمائية مختارة من كلاسيكيات السينما العربية والعالمية، إلى جانب ورش عمل، وجلسات نقاشية، وأنشطة فنية وثقافية تراعي جماليات المكان وتستلهم من تراثه الغني.

ولم تأتِ هذه المبادرة لاستعادة ماضٍ سينمائي عريق، بل للاستجابة لحاجة معاصرة إلى وجود فضاء فني مستقل، يعيد تعريف العلاقة بين الجمهور والفن السابع، من خلال تصميم مسرحي مفتوح ومكيّف بطابع حجازي أصيل.

أوضح المخرج عبد الله علي سحرتي، الشريك المؤسس في المشروع لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروع سينما البلد يسعى إلى إعادة إحياء ذكريات (حوش الجمجوم) التي تعود إلى خمسينات القرن الماضي، لكن برؤية حديثة تتماشى مع الطابعين العمراني والثقافي لجدة التاريخية. نُعيد هذه الذاكرة السينمائية إلى الحياة من قلب الأحياء والأزقة القديمة، لنقدّم تجربة فنية متجددة تنطلق من تراث المدينة وتخاطب جمهور الحاضر».

وقال سحرتي، إن ما يميز «(سينما البلد) عن العروض السينمائية التقليدية هو اندماجها الكامل مع المكان، حيث يعيش الزوار تجربة مشاهدة الأفلام في مسرح مفتوح مكيّف بالكامل بطابع حجازي أنيق. كما نوفر أجواءً تكمّل المشهد السينمائي، من خلال تقديم الأكلات الحجازية المحلية، والفشار بنكهات مستوحاة من المطبخ الحجازي، ما يجعل الزيارة تجربة حسّية وفنية متكاملة».

وبحسب الشريك المؤسس للمشروع، تفتح أبواب «سينما البلد» للزوار من 2 مايو (أيار) وحتى 15 يونيو (حزيران)، وأضاف: «نتشرف بأن تكون هذه الفعالية ضمن برنامج بلد الفن، وبدعم كامل من وزارة الثقافة. تقدم السينما كل خميس وجمعة وسبت عروضاً منتقاة من أبرز الأفلام العربية والعالمية الحائزة على جوائز».

وتابع: «كما ننظم ورشات عمل سينمائية كل يوم أحد بمشاركة صنّاع أفلام محليين لتطوير المشهد السينمائي الوطني. ونخصص أيام الاثنين من كل أسبوع لعرض أفلام عربية كلاسيكية، نستهدف بها مختلف الأجيال، لإحياء ذكريات الزمن السينمائي الجميل، وربطها بالهوية البصرية والثقافية للمنطقة التاريخية».

وأشار: «ولا تنفصل هذه الخطوة عن السياق التاريخي العريض لمسيرة السينما في المملكة، التي بدأت عام 1950 مع فيلم (الذباب) للفنان حسن الغانم، مروراً بعصر (الأحواش) في ستينات القرن الماضي، حيث عُرضت الأفلام في أندية رياضية وساحات مفتوحة، قبل أن تنتقل أغلب العروض إلى شاشة التلفزيون».

في تلك الحقبة، لعبت مؤسسات مثل «أرامكو» دوراً مهماً في تقديم الأفلام الأجنبية المدبلجة، وأنتج بعض الرواد أفلاماً وثائقية قصيرة، لكن الطريق لم يكن معبّداً أمام الصناعة المحلية. ومع حلول عام 2010، بدأ جيل جديد من السينمائيين السعوديين مثل هيفاء المنصور وعبد الله العياف وشهد أمين في رسم ملامح صحوة جديدة، بلغت ذروتها بإنشاء دور العرض في 2017، إيذاناً بولادة صناعة سينمائية وطنية متكاملة.

واليوم، تمثل «سينما البلد» حلقة جديدة في هذه المسيرة. فهي ليست فقط دار عرض مستقلة، بل هي مشروع ذاكرة، ومنصة إبداعية، وجسر يصل بين زمنين: زمن الأحواش البيضاء والفوانيس، وزمن الشاشات الكبيرة والضوء المتحرك الذي يحكي حكايات الناس والمكان، فهي دعوة مفتوحة لكل من يؤمن بأن السينما أكثر من صورة متحركة، بل طقس ثقافي، وامتداد لتاريخ حي في وجدان المدينة.