أهم الأخبار

تطوّرات الحرب السودانية


باكستان في مواجهة أخطار التمرد المسلح من جديد

تواجه باكستان تصاعداً حاداً في حركة التمرد داخلها مع شن جماعات مسلحة سلسلة من الهجمات العنيفة استهدفت بشكل رئيس قوات الأمن ما أثار اضطرابات سياسية غير مسبوقة وألحق أضراراً بالاستقرار الاقتصادي بالبلاد. والواقع أن التداعيات لا تقتصر على الصعيد الداخلي وحده، بل قد يكون لهذه الأحداث تأثيرات محتملة عبر جنوب آسيا، ما يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية وإعاقة التعاون بين دول المنطقة.

عبر الأسبوع الماضي، لقي العشرات حتفهم، من جراء هجمات عنيفة شنّها متمردو البلوش وحركة «طالبان» الباكستانية، الذين يتحدّون بشكل مباشر سلطة حكومة إسلام آباد داخل إقليمي بلوشستان وبشتونخوا في البلاد.

جغرافياً تشكل بلوشستان الواقعة في جنوب غربي باكستان، أكبر أقاليم البلاد. إلا أنها رغم تغطيتها 44 في المائة من مساحة باكستان، فإنها تظلّ الأقل كثافة من حيث السكان، إذ يقدر عدد سكانها بـ14.8 مليون نسمة فقط، من أصل 240 مليون نسمة. ثم إنها رغم مواردها الطبيعية الغنية وموقعها الاستراتيجي، لا تزال من أكثر أقاليم باكستان افتقاراً إلى التنمية، وعرضة للتقلبات. بل لطالما كانت بلوشستان محور توترات بين الحكومة الفيدرالية والحركات القومية البلوشية.

ومن وقت إلى آخر، تتصاعد هذه التوترات لتتحول إلى مواجهات مسلحة. وبالفعل اكتسبت حركة التمرد الراهنة زخماً كبيراً، وشهدت مهاجمة مسلحين للقطارات وقوافل الجيش الباكستاني.

ميناء غوادار الباكستاني … ذو اهمية خاصة للصين (آ ب)

البلوش والبشتون

من جهة أخرى، فإن وجود الصين ونفوذها، بعدّها قوة عظمى وحليفاً وثيقاً لباكستان، يعنيان أنها تملك القدرة على تخفيف أو تصعيد حدة الصراعات الداخلية والخارجية المختلفة بالمنطقة. ويذكر هنا أن بلوشستان، ذات المساحة الشاسعة، تقع على حدود أفغانستان وإيران، وتتوزّع بين البلدان الثلاثة العرقية البلوشية التي تتهم إسلام آباد باستغلال ثروات المقاطعة الطبيعية.

في الوقت نفسه، يُشير مصطلح «أزمة بشتونخوا» (أو بختونخوا) إلى الصراع المسلح المستمر وحالة غياب الاستقرار السياسي في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني ذي الغالبية البشتونية (الباثان/الأفغان)، الناجم في المقام الأول عن جماعة إسلامية مسلحة تضم تحت لوائها العديد من الجماعات الأخرى، ويشار إليها باسم «طالبان باكستان». وتشن هذه الجماعة حرباً على الدولة في محاولةٍ للإطاحة بالنظام.

«طالبان باكستان» تسعى إلى حكم باكستان بوصفها «دولةٍ إسلامية» وفق تفسيرها المتشدد للإسلام. وتنسجم هذه الجماعة آيديولوجياً مع «طالبان» الأفغانية، التي استولت على السلطة في أفغانستان المجاورة عام 2021، بينما كانت القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في المراحل الأخيرة من الانسحاب من البلاد بعد 20 سنة من الحرب.

في غضون ذلك، حمّلت باكستان كلاً من الهند وأفغانستان مسؤولية أنشطة المتمردين الأخيرة على أراضيها. وقال الجنرال الباكستاني أحمد شريف شودري، خلال مؤتمر صحافي في إسلام آباد: «كان الإرهابيون يتواصلون مع مُوَجِّهين لهم في أفغانستان، بينما لعبت الهند دور العقل المدبر وراء ذلك».

بيد أن وزارة الخارجية الهندية ردت التهم، وأعلنت نيودلهي أن على إسلام آباد أن «تنظر إلى نفسها أولاً، بدلاً من توجيه أصابع الاتهام وإلقاء اللوم على الآخرين فيما يتعلق بمشكلاتها الداخلية وإخفاقاتها». كذلك رفضت السلطات الأفغانية الاتهامات الباكستانية.

في هذا الصدد، علق الجنرال الهندي السابق سيد عطا حسنين بقوله: «لدى باكستان خبرة في التعامل مع الحركات المسلحة الانفصالية والإرهاب. ومع ذلك، فإنها لم تنجح قط في تحييد هذه الحركات بشكل كامل. والمثال الأبرز على ذلك باكستان الشرقية سابقاً (بنغلاديش حالياً)… ولطالما غرقت قيادة الجيش الباكستاني في ثقافة التسلط، معتقدةً أن استخدام قوة أكبر من الخصم سيحل جميع المشاكل».

وأضاف أن «تصاعد العنف في بلوشستان يهدد بعرقلة الاستثمارات الصينية بالمنطقة، التي تُعدّ أساسيةً لـ(مبادرة الحزام والطريق) العالمية التي أطلقتها بكين». في الوقت ذاته، يعمل آلاف المواطنين الصينيين داخل باكستان، التي تضم كذلك مشروع «الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني»، الذي تقدر قيمته بـ60 مليار دولار، والذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من «مبادرة الحزام والطريق».

استهداف المصالح الصينية

يستهدف تنظيم «جيش تحرير بلوشستان» وجماعات بلوشية أخرى، الجيش الباكستاني والمنشآت الحكومية والعمال الصينيين. ويشكل ميناء غوادار في إقليم بلوشستان محور «مبادرة الحزام والطريق» الطموح للرئيس الصيني شي جينبينغ، باستثمارات تقدر بـ65 مليار دولار، في إطار مشاريع «الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني».

كذلك لبكين مصالح تتصل بمناجم النحاس، إذ تتعاون الصين وباكستان في مشروع ساينداك للنحاس والذهب في بلوشستان، ويتولى مئات المهندسين والمشرفين الصينيين الإشراف على مواقع البناء داخل المقاطعة.

وتكشف إحصاءات الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب بباكستان، عن أنه منذ عام 2021، لقي 20 مواطناً صينياً حتفهم، وجُرح 34 آخرون داخل المقاطعة. ومع تكثيف المتمردين البلوش تمرّدهم داخل باكستان، واستهدافهم الجيش الباكستاني والمصالح الصينية، يساور إسلام آباد قلقاً بالغاً إزاء التداعيات المحتملة لهذه الهجمات على «الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني». كما تعرّض عشرات الصينيين لهجمات بمختلف أرجاء باكستان على يد متمردين.

وحقاً، يشكّل أمن العمال الصينيين قضيةً مقلقة ومُستمرة، خاصة في ظل تعرضهم لهجماتٍ مُتعددة عبر السنوات الأخيرة. وأثار هذا التهديد المُستمر تقارير استخباراتية، تُشير إلى احتمالية أن تنشر بكين قوات لها قريباً في باكستان، وهذه خطوةٌ من شأنها أن تشكل تحولاً هائلاً في الوجود الأمني لبكين بالمنطقة.

ووفق الصحافي الباكستاني آرزو كاظمي، الذي يُدير قناةً عبر موقع «يوتيوب»، فإن «الصين تُؤمن بفكرة الاستثمارات الآمنة، أي أنها لا تُحبّذ الصراعات حول مشروعاتها. وعليه، يشعر الصينيون بإحباط شديد بسبب عجز الحكومة الباكستانية عن توفير الأمن، لدرجة أنهم قرروا تجنب ضخ استثمارات في مشاريع أخرى».

آفاق تعاون أمني

وفي هذا الإطار، اقترحت الصين بناء شركة أمنية بالتعاون مع باكستان، لتوفير حماية أكبر لعمالها في مشاريع «الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني». وعلاوة على ذلك، دأبت بكين على حثّ إسلام آباد على توقيع اتفاقية تعاون لمكافحة الإرهاب، من شأنها أن تمهد الطريق أمام وجود عسكري صيني رسمي بالبلاد.

هذا، وإلى جانب مطالبة المتمردين البلوش بالاستقلال عن باكستان، فإنهم أبدوا معارضتهم الصريحة للمشاريع الصينية في المنطقة. وهم يتهمون الآن بكين باستغلال الموارد الطبيعية الغنية في بلوشستان – مثل الغاز الطبيعي والفحم والنحاس ومعادن أخرى – بالتعاون مع سلطات إسلام آباد، ما أدى إلى تهميش السكان المحليين. وجاءت الهجمات الأخيرة ضد الموظفين الصينيين العاملين في البنية التحتية لمشروع «الممر الاقتصادي الصيني ـ الباكستاني»، في إطار استراتيجية المتمردين الأوسع للرد على ما يعدونه استغلالاً اقتصادياً مجحفاً.

يشكّل أمن العمال الصينيين قضيةً مقلقة ومُستمرة، خاصة في ظل تعرضهم لهجماتٍ مُتعددة عبر السنوات الأخيرة

التوتر بين باكستان و«جيرانها»

التوترات المتصاعدة بين باكستان وأفغانستان تثير بلا شك مخاوف حول احتمال اشتعال صراع بين البلدين، قد يخلّف تداعيات كبرى على جنوب شرقي آسيا بل وسط آسيا أيضاً. ويأتي هذا التطور بعد شنّ باكستان غارة جوية داخل أفغانستان، العام الماضي، وفي المقابل، هاجمت «طالبان» مواقع عدة في باكستان، بينما تراقب الهند تزايد التوتر بين «جارتيها»، لأن اشتعال الحرب بينهما سيثير القلق على أمن نيودلهي على جبهات عدة، مثل أزمة اللاجئين وتصاعد الإرهاب.

وفي تطور مهم، انخرطت الهند في مناقشات متعددة مع «طالبان» خلال العام الماضي، الأمر الذي أثار استياء باكستان. وبجانب ذلك، سمحت الهند لممثل «طالبان» بالعمل من داخل القنصلية الأفغانية في مومباي، في حين التزمت كابل بضمان ألا يصار إلى استخدام أراضيها في شن أنشطة ضد الهند. ولكن في الوقت ذاته، عزّز وجود حكومة «طالبان» في أفغانستان طموح «طالبان باكستان» في بناء «دولة إسلامية» طالبانية في إسلام آباد.

وما يجدر ذكره في هذا السياق أن سلطات إسلام آباد تقول إن الكثير من الأسلحة والأجهزة المتطورة التي تستخدمها الجماعات المتمردة تأتي من أفغانستان، التي تركتها واشنطن وراءها قبل انسحابها من أفغانستان.

وعلى جانب آخر، تتفاقم الأمور بالنسبة للعلاقات بين باكستان وإيران إثر شنّ الجانبين غارات جوية ضد بعضهما، العام الماضي. وقد استخدمت إيران صواريخ وطائرات مسيّرة من دون طيار لقصف غرب باكستان. وفي المقابل، شن سلاح الجو الباكستاني غارات جوية على جنوب شرقي إيران، ويزعم كل من الجانبين أن الأراضي المستهدفة استُخدمت لشن أنشطة تمردية داخل أراضيه.

النظام العالمي الانتقائي والغرب

تحدَّت الهند الدور الحالي للأمم المتحدة تحدياً مباشراً أمام عدد من القوى العالمية الكبرى. ودافع وزير الخارجية الهندي إس. جايشانكار عن إنشاء أمم متحدة «قوية وعادلة»، مشدداً على ضرورة تطبيق المعايير والقواعد العالمية على الجميع بالعدل. وأضاف: «إننا نحتاج إلى أمم متحدة قوية، لكن الأمم المتحدة القوية تتطلب أمماً متحدة عادلة. ويجب أن يتسم النظام العالمي القوي ببعض الاتساق الأساسي في المعايير». ودعا الوزير الهندي من ثمَّ إلى مراجعة النظام العالمي القائم، بقوله: «أعتقد أنه من المهم مراجعة مسيرة العالم على مدى العقود الثمانية الماضية، وأن نكون صادقين بشأن ذلك، وأن نفهم اليوم أن التوازنات، وتقسيم الحصص في العالم قد تغير… نحن الآن بحاجة إلى حوار مختلف. بصراحة، نحن بحاجة إلى نظام مختلف». من جهة ثانية، انتقد جايشانكار الغرب بصورة مباشرة في سياق التطرق إلى موضوع التدخل السياسي فقال: «عندما يتدخل الغرب في دول أخرى، يبدو الأمر كأنه يسعى إلى تحقيق مبادئ الديمقراطية. وعندما تتدخل دول أخرى في الغرب، يبدو كأن لديها مصلحة خبيثة للغاية… أعتقد أنه يجب أن نتحلى بالإنصاف». ومن ثم، أثار الوزير الهندي، طبعاً من زاوية بلاده، قضية كشمير، فقال: «عندما أحالت الهند القضية عام 1947، إلى الأمم المتحدة بعد غزو باكستان للإقليم، حوّلت القوى المتورّطة آنذاك -بريطانيا والولايات المتحدة وبلجيكا وكندا وأستراليا- الأمر إلى نزاع بين نيودلهي وإسلام آباد»! جاء كلام جايشانكار خلال حلقة نقاشية بعنوان «العروش والأشواك: الدفاع عن سلامة الأمم»، كان بين المشاركين فيها رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت، ووزير خارجية ليختنشتاين دومينيك هاسلر، ووزير الخارجية السلوفاكي يوراي بلانار. ثم تساءل جايشانكار عن تطبيق القواعد العالمية على «طالبان» في أفغانستان، خصوصاً المعايير المختلفة التي اعتمدتها الدول الغربية في المفاوضات مع الجماعة عبر فترات مختلفة، وقال إن مزايا النظام القديم «مبالغ فيها». وعبَّر الوزير عن اعتقاده فيما يخص الوضع في أفغانستان بأنه «إذا كان ذلك يناسب مصلحتك، سواءً كان أحدهم صالحاً أو رديئاً، فسوف تُقرر ما تراه مناسباً وتُطبق ذات المعايير على البلد نفسه، وعلى القضايا نفسها بشكل مختلف». وضرب مثالاً على ذلك بـ«طالبان»، إذ قال «تخيل أفغانستان، (طالبان) نفسها، التي كانت حالة شاذة، جرى الترحيب بها في عملية الدوحة، وفي أوسلو، وكان الناس راضين عنها. لكن، اليوم، يعودون ويقولون إن (طالبان) تُسيء التصرف… وبذا يتضح أنه عندما يناسبك التعامل مع (طالبان)، يكون الأمر مقبولاً، وعندما لا يناسبك يصبح الأمر غير مقبول».



المصدر


اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading