أهم الأخبار

القرم «تابعة» لأوكرانيا و«موقفنا ثابت»


اصطدام أميركي – أوروبي بشأن أوكرانيا والطريق إلى السلام

يوماً بعد يوم، تتسع الهوة الفاصلة بين المقاربة الأميركية والمقاربة الأوروبية لملف الحرب في أوكرانيا. وتفيد مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس أن القطيعة بين الجانبين بانت على حقيقتها، الأسبوع الماضي، بمناسبة الاجتماعات التي استضافتها باريس، والتي ضمّت وفدين أوكراني وأميركي رفيعي المستوى، وممثلين لبريطانيا وألمانيا، إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته ومستشاره السياسي. ووفق المعلومات التي توفرت عن هذا الاجتماع، يوم 17 أبريل (نيسان)، فإن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، وإلى جانبه مبعوث الرئيس دونالد ترمب للملف الأوكراني ستيف ويتكوف، عمد إلى شرح «خطة السلام الأميركية» التي كانت الصحافة الأميركية سرّبت بعض عناصرها، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يعمد فيها مسؤول أميركي كبير إلى عرضها بالتفصيل.

الرئيس بوتين مستقبلاً الجمعة المبعوث الأميركي الخاص للملف الأوكراني ستيف ويتكوم في الكرملين في زيارته الرابعة لموسكو (أ.ب)

وبالنظر إلى ردة الفعل التي واجهته من الجانبين الأوروبي والأوكراني، فإن روبيو لم يتردد، في اليوم التالي قبل مغادرته باريس، في توجيه «إنذار» للطرفين المذكورين بأن واشنطن يمكن أن تسحب وساطتها إذا تبين لها أن التوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف يبدو بالغ الصعوبة. والإنذار كرّره ترمب شخصياً في اليوم التالي. وما حصل في باريس يفسر غياب ترمب وويتكوف عن اجتماع لندن يوم 23 أبريل الحالي، الذي تحوّل إلى اجتماع «تقني» رغم مجيء وفد وزاري من كييف.

اجتماع لحلفاء كييف في «الإليزيه» يوم 17 أبريل 2025 (أ.ب)

العناصر الرئيسية في الخطة الأميركية

ثمة 4 عناصر رئيسية ركّز عليها روبيو في ما سمّاه «الإطار العام» لاتفاق السلام؛ أولها الاعتراف رسمياً بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم التي ضمّتها رسمياً إلى الاتحاد الروسي عام 2014، وثانيها الاعتراف بسيطرة روسيا بشكل غير قانوني أو رسمي بسيطرتها على الأقاليم الأربعة التي تحتلها راهناً، بشكل غير كامل، حتى خط الجبهة كما هو كائن ميدانياً. والعنصر الثالث تخلي كييف عن السعي للانضمام للحلف الأطلسي، بمعنى إغلاق الباب أمامها نهائياً. بالمقابل، وهو العنصر الرابع، أن تعترف واشنطن لأوكرانيا بالحاجة إلى «ضمانات أمنية صلبة»، لكن لم تلتزم بتوفير «مظلة أمنية» للقوة الأوروبية، التي يمكن أن تنضم إليها وحدات من دول غير أوروبية، مثل أستراليا، التي يفترض أن تنتشر بعيداً عن خط النار.

وفائدة هذه القوة أن «تردع» موسكو عن استهداف أوكرانيا مجدداً. وعلم في اليومين الأخيرين أن واشنطن ترفض طلب موسكو خفض عدد القوات المسلحة الأوكرانية، وتحجيم صناعتها العسكرية، أو طلب إجراء انتخابات تحت إشراف دولي، وهو ما طالب به الرئيس فلاديمير بوتين. وفي ما عرضه روبيو عنصران ماليان إضافيان؛ الأول حديثه عن تعويض الخسائر التي ألمت بأوكرانيا خلال سنوات الحرب، وإعادة الإعمار، من غير تحديد مصادر التمويل، وما إذا كانت واشنطن ستساهم في ذلك. والعنصر الثاني رفع العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على روسيا منذ عام 2014، والتي تضاعفت منذ عام 2022. وما جاء في عرض روبيو أشار إليه ترمب أكثر من مرة، آخرها في حديث لمجلة «تايم» الأميركية، حيث أكد أن «القرم سوف تظل مع روسيا»، وأن زيلينسكي «يفهم ذلك، كما أن الجميع يفهم ذلك». وذهب ترمب، في الحديث نفسه، إلى تبني القراءة الروسية للأحداث التي أفضت إلى الحرب، وأبرزها «سعي كييف للانضمام إلى الحلف الأطلسي».

فرق إنقاذ أوكرانية تعمل في موقع هجوم صاروخي روسي في كييف (أ.ف.ب)

إزاء الطرح الأميركي عرض الطرفان الأوكراني والأوروبي مقاربةً مختلفةً تماماً عما رسمته واشنطن، وأول ما فيها التمسك بأنّ أي نظر أو اتفاق حول الأراضي «يجب أن يأتي في مرحلة لاحقة، وليس في مرحلة مسبقة»، وأن الأولوية اليوم عنوانها الالتزام بوقف كامل لإطلاق النار، بعدها تأتي مرحلة التفاوض على الأراضي، ورفض الاعتراف بأي سيطرة روسية على أراضٍ أوكرانية، بما فيها شبه جزيرة القرم. كذلك، تمسك الطرفان بحقّهم في إبرام اتفاقيات دفاعية مع كييف، يفترض أن ينصّ أحد بنودها على «الدفاع المشترك»، ما يشبه إلى حدّ بعيد البند الخامس من الاتفاقية التأسيسية للحلف الأطلسي، وبما لا يعطي لروسيا أي حقّ في النظر أو الاعتراض في نشر أي قوة على أراضيها انطلاقاً من مبدأ أنها دولة ذات سيادة. أما بالنسبة للعقوبات، فإن الأوروبيين يقترحون تليينها تدريجياً بعد التوصل لاتفاق سلام دائم، مع إمكانية العودة إلى فرضها في حال إخلال موسكو ببنودها. وأخيراً، اقترح الطرفان اللجوء إلى استخدام الأموال الروسية المجمدة في أوروبا لتعويض أوكرانيا عن خسائرها، وإطلاق عملية إعادة الإعمار.

فرق إنقاذ أوكرانية تعمل في موقع هجوم صاروخي روسي في كييف (أ.ف.ب)

دعم أوكرانيا أم الالتصاق بالحليف الأميركي؟

ثمة قراءتان تتواجهان جذرياً. لذا، جاءت الردود الأوروبية عنيفة على الطرح الأميركي، وبادر الرئيس ماكرون إلى الإعلان عن رفضه الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا. ثم تبعه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي دافع بقوة عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رافضاً تحميله فشل المساعي الأميركية، كما فعل الرئيس ترمب. وأيضاً رفض الخطة الأميركية بشأن شبه جزيرة القرم. وقال ستارمر لصحيفة «تلغراف»، الجمعة: «في نهاية المطاف، أضع في اعتباري دائماً أن أوكرانيا هي التي يجب أن تقرر هذه القضايا، وليس الآخرون. الأمر متروك لها… وعلى روسيا أن تجلس إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق نار غير مشروط ومستدام». رافضاً بأي شكل أن يكون «مؤقتاً». ويصرّ ستارمر على أن أوكرانيا «يجب أن تكون قادرة على تقرير شروط أي اتفاق سلام مع روسيا». وعلى عكس ترمب، أثنى على زيلينسكي «الشجاع»، قائلاً إنه ليس مسؤولاً عن الفشل في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، ورفض دعم الخطة الأميركية للاعتراف رسمياً بأن القرم روسية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل مانويل مستقبلاً في مقره الصيفي في حصن بريغونسون نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس 2019 أيام «الزمن الجميل» بينما يتهمه اليوم بـ«الكذب» في الملف الأوكراني (د.ب.أ)

يبدو أن هناك تنسيقاً بين ماكرون وترمب لجهة التركيز على رفض روسيا الاستجابة للمقترح الأميركي الشهر الماضي، القاضي بوقف إطلاق النار. وأعلن ماكرون، الخميس، بمناسبة زيارة قام بها إلى مدغشقر، أمرين؛ الأول أن المطلوب اليوم «وقف إطلاق النار غير المشروط»، الذي هو «بداية كل شيء». مضيفاً أن «جميع القضايا الأخرى أمور تندرج ضمن مفاوضات السلام التي يجب أن تتم بعد ذلك، والتي ستأخذ في الاعتبار المواقع العسكرية والقضايا الإقليمية والأمنية». وفي أي حال، رفض ماكرون مبدأ الضمّ، إذ «ليس من مسؤوليتنا أن نفعل ذلك». والأمر الثاني ذهابه إلى حدّ اتهام بوتين بـ«الكذب»، إذ من جهة، يؤكد أنه يريد السلام مع أوكرانيا، لكنه من جهة ثانية يواصل قصفها. وفي أي حال، يدعو ماكرون الرئيس الأميركي إلى صبّ غضبه على بوتين، وليس على زيلينسكي الذي يتهمه بعرقلة التوصل إلى اتفاق سلام.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

تبدو اليوم أوروبا بمواجهة حليفتها واشنطن في الملف الأوكراني. لكن مشكلتها الرئيسية أنها ستكون عاجزة وحدها عن تحمل عبء هذا الملف، إذا نفّذت واشنطن وعيدها بالانسحاب من الوساطة، وترك الأمر للأوروبيين ليتدبروه بأنفسهم، وهو ما لمّح إليه روبيو بقوله إن «الحرب تدور على الأراضي الأوروبية». فهل هم ماضون في ذلك، أم أنهم سيرون أن مصلحتهم الاستراتيجية أن يبقوا لصيقين بالحليف الأميركي، رغم التمايزات التي تفصل بين ضفتي الأطلسي؟



المصدر


اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading