أمل دنقل… «أمير شعراء الرفض» من منظور نقدي

يرصد الكتاب الضخم «سِفر أمل دنقل»، الذي يقع في 680 صفحة، عدداً من أهم الدراسات النقدية والرؤى الإنسانية التي كُتبت عن الشاعر المصري البارز أمل دنقل (1940 – 1983) الذي حظي بألقاب عديدة منها «أمير شعراء الرفض»، في إشارة إلى شعره الذي تميز بنزعة سياسية ثورية تعلي من الحس القومي العربي.
صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1999 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بينما صدرت الطبعة الجديدة عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، تحرير وتقديم الكاتبة عبلة الرويني، أرملة الشاعر، التي جمعت أبرز ما كُتب عنه في الإعلام الثقافي والدراسات النقدية وصنفت هذه المادة الغزيرة وفق أربعة محاور.
يحمل المحور الأول عنوان «عن قرب»، ويضم شهادات كتبها نقاد وكتاب مقربون من الشاعر، تابعوا مسيرته ولهم معه تجارب وخبرات ومواقف.
ويتناول المحور الثاني الدراسات التي تناولت شعر أمل في مجمله بالتحليل الفكري والفني، أما المحور الثالث فيضم الكتابات التي تحدثت عن أحد دواوين الشاعر بما فيها من دلالة على المرحلة الإبداعية التي يعبر عنها، وانعكست ملامحها في أدواته التعبيرية من الألفاظ والتراكيب والصور وطرائق الخطاب المتنوعة. وأخيراً، يتناول المحور الرابع ما كتبه الدارسون حول قصائد أمل.
ومن أبرز الأسماء التي كتبت عن أمل، ويضمها الكتاب، يوسف إدريس، رجاء النقاش، غالي شكري، سعدي يوسف، جابر عصفور، رضوى عاشور، أحمد عبد المعطي حجازي، بول شاؤول، حلمي سالم، عبد الرحمن بسيسو، عباس بيضون، محمود أمين العالم.
تشير الرويني في مقدمة الكتاب إلى أنه على جدران الشوارع المتفرعة من «ميدان التحرير» بالقاهرة رسم شباب ثورة 25 يناير 2011 أشكال «جرافيتي» لقصيدة أمل «لا تصالح»، وردد شباب آخرون قصيدته «أغنية الكعكة الحجرية»، لافتة إلى أنه بعد مرور أكثر من 40 عاماً على رحيل دنقل لا تزال قصيدته هي الأكثر حضوراً وفاعلية في الشوارع والميادين والأكثر تعبيراً عن رؤى الواقع ومشاعر الناس.
وتلفت إلى أن الاهتمام بتجربة أمل دنقل لدى الأجيال الجديدة يتجاوز مصر، حيث نوقشت في الجزائر وحدها أكثر من 20 رسالة ماجستير ودكتوراه موضوعها جميعها يتجاوز السياسي والآيديولوجي إلى البحث الجمالي في القصيدة، من حيث التشكيل والبنية والمكان والتراث والصورة والتكنيك السينمائي، وتوظيف القصيدة الواحدة وتأويلها في سياقات مختلفة، قد تكون متناقضة أحياناً، على نحو يعكس تنوع زوايا البحث ومناهجه في دراسة شعر أمل.
ضمت الطبعة الأولى من الكتاب 44 مقالاً ودراسة، أما الطبعة الحالية فتعد بمثابة تحديث وإضافة للإصدار الأول، حيث ضمت كتابات جديدة، مع الحرص على التنوع في المادة بين التخصص الأكاديمي والنقد الانطباعي مع تقديم أصوات أحدث من أجيال مختلفة، وكذلك مراعاة عدم تكرار الأسماء النقدية التي سبق أن قدمت رؤيتها النقدية في الكثير من الإصدارات الموجودة حالياً في المكتبات. وتشير الرويني إلى أن حضور القصيدة وحضور الشاعر في الواقع والدراسات والتظاهرات وقاعات الدرس هو جزء من رؤية وفهم أمل دنقل لدور الشعر ووظيفته، فللقصيدة دور اجتماعي ودور جمالي عبر عنهما ذات مرة قائلاً:
ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة
ليمر النور للأجيال مرة
ويتضمن الكتاب أيضاً مقدمة الطبعة الأولى التي يتحدث فيها الناقد والأكاديمي الراحل سيد البحراوي عن بداية علاقته بأمل، موضحاً أنه رآه للمرة الأولى في «دار الأدباء» بالقاهرة عام 1972 حيث قادته إليه قصيدة «الكعكة الحجرية» التي قرأها معلقة على حائط كلية الآداب.
كان البحراوي يسمع عن أمل دنقل ويقرأ شعره قبل ذلك، لكن تلك القصيدة تحديداً بكثافتها العالية واندماجها المطلق في جوهر حركة التمرد الاجتماعي الطلابي آنذاك قادته إلى «دار الأدباء» ليسمع القصيدة نفسها، وليكتشف فيها طاقات جديدة أضفاها عليه إلقاء أمل وحضوره الخاص أمام الجمهور.
يقول سيد البحراوي: «خلال السنوات التالية، تشكلت عبر التقارب والتنافر، كما طبيعة معظم علاقات أمل، علاقة حميمية مستقرة غير عاطفية حتى في أحلك لحظات المرض تقوم على فهم متبادل عميق للجوهر الذي تقوم عليه شخصياتنا وللبشر من حولنا وللتحولات التي يمرون بها بفعل التطورات القاسية التي شهدتها تلك الفترة والتي كان أمل يعانيها بعمق وصلابة وصمود».
ويضيف الناقد الراحل: «وحين أتأمل الآن هذه الملامح الأولية لمثل هذه العلاقة فإنها تبدو لي مفتاحاً أساسياً لفهم شخصية أمل وإبداعه في الحياة والشعر، فرغم ما كان يبدو عليه من عنف وعدوانية وتقلب، كان في العمق إنساناً شديد التواصل والحميمية، والأهم تلك القدرة النادرة على النفاذ إلى ما وراء الأشياء والظواهر وهي قدرة يصعب تحليلها إلى عناصرها الأولى، فهي وعي كلي شمولي يعتمد على ذكاء فطري صقلته خبرة طويلة وحدس يكاد يعود إلى عهود المصريين القدماء ومعارف متنوعة».
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.