من يومين إلى 315 يوماً
بيت هيغسيث وزير دفاع ترمب الجديد… يُعد لإبعاد الذين «أنّثوا» الجيش الأميركي
قبيل تصويت مجلس الشيوخ الأميركي بهيئته العامة، على تثبيت بيت هيغسيث في منصب وزير الدفاع الجديد في إدارة الرئيس دونالد ترمب، تسلمت لجنة القوات المسلحة في المجلس، إفادة خطية من أخت زوجته السابقة، تتحدث عن «سلوك عدواني وإفراط في تناول الكحول». ومع أن هذا الادعاء الجديد لم يؤد إلى تأخير عملية تثبيته، فإنه أضاف مزيداً من القتامة والغموض إلى صورة القائد الجديد لأكبر مؤسسة فيدرالية، فضلاً عن الإشكاليات الأخلاقية التي تنتظر أقوى جيش في العالم؛ إذ إن الترشيح المثير للجدل لمقدم البرامج السابق في قناة «فوكس نيوز» لإدارة وزارة الدفاع، كان قد غرق في مزاعم إساءة استخدام الكحول، وسوء السلوك الجنسي والمالي، بما في ذلك التقارير التي تفيد بأنه اعتدى جنسياً على امرأة في عام 2017.
اعتبر العديد من المراقبين اختيار بيت (بيتر) هيغسيث لمنصب وزير الدفاع، كونه عسكرياً محارباً وشخصية إعلامية محافظة شهيرة لها عدد كبير من المتابعين، خطوة متوافقة تماماً مع سياسات دونالد ترمب وخططه «غير التقليدية» التي ينوي تنفيذها في ولايته الثانية، متجاوزاً كل العقبات والمطبات التي شهدتها ولايته الأولى.
وبعدما نجح هيغسيث في تطوير علاقة وثيقة مع ترمب، الذي ورد أنه فكّر بتعيينه لمنصب في إدارته الأولى، فإنه حضه على الإفراج عن أفراد الخدمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب عام 2019.
وبالفعل، دافع هيغسيث عن قضايا بعض العسكريين المتهمين في برنامجه التلفزيوني وعلى الإنترنت، وأجرى مقابلات مع أقاربهم، قائلاً إن العفو من ترمب عنهم «سيكون مذهلاً». ونجحت جهوده، حين أصدر ترمب في ذلك العام عفواً عن جندي سابق في الجيش الأميركي كان من المقرر محاكمته بتهمة قتل صانع قنابل أفغاني مشتبه به، فضلاً عن ملازم سابق في الجيش أدين بالقتل لإصداره الأمر لرجاله بإطلاق النار على ثلاثة أفغان، ما أسفر عن مقتل اثنين منهم. كذلك أمر ترمب بترقية جندي من قوات النخبة البحرية أدين بالتقاط صورة مع جثة أسير من تنظيم «داعش» في العراق.
وفي نهاية المطاف، وقّع ترمب في اليوم الأول من تسلمه الرئاسة للمرة الثانية، أمراً تنفيذياً يمنع محاكمة أفراد الجيش عن أنشطتهم العسكرية، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
من هو هيغسيث؟
يتحدّر بيت (بيتر) هيغسيث من أصل نرويجي من كلا جانبي الأسرة، والده برايان وهو مدرب كرة السلة، ووالدته بينيلوبي. ولقد ولد عام 1981 في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، ونشأ في فورست ليك القريبة، والتحق بمدرستها الثانوية، حيث لعب كرة القدم وكرة السلة، وتخرج بتفوق على دفعته عام 1999.
حصل على درجة البكالوريوس في السياسة من جامعة برينستون العريقة عام 2003، وكتب أطروحة بعنوان «الخطاب الرئاسي الحديث وسياق الحرب الباردة». وفي أثناء دراسته كتب في الصحيفة الطلابية المحافظة لجامعة برينستون، وأصبح ناشرها، ومما كتبه عام 2002 أنه «سعى جاهداً للدفاع عن ركائز الحضارة الغربية ضد عوامل تشتيت الانتباه الناجمة عن التنوع». وأيضاً في برينستون، انضم إلى فيلق تدريب ضباط الاحتياط بالجيش عام 2001.
ومن ثم، بعد التخرج في برينستون، بدأ هيغسيث حياته المهنية بالعمل محلّلاً في شركة بير ستيرنز، من عام 2003 إلى عام 2014، ومرة أخرى من عام 2019 إلى عام 2021. وخدم كضابط مشاة في الحرس الوطني للجيش، وحصل على رتبة رائد، كما نال «النجمة البرونزية» في أثناء خدمته في قوات العمليات الخاصة خلال مهمة قتالية في العراق عام 2005.
في عام 2014، تطوّع هيغسيث في مهمة تدريب لقوات الأمن الأفغانية في أفغانستان. وبعد خدمته العسكرية، أصبح شخصية نشطة في دوائر السياسة اليمينية المحافظة والجمهورية، وكان المدير التنفيذي لمنظمة «قدامى المحاربين من أجل الحرية»، ومنظمة «قدامى المحاربين المعنيين بأميركا». ومنذ عام 2014، عمل معلقاً سياسياً في قناة «فوكس نيوز» المحافظة، ومضيفاً مشاركاً في برنامج «فوكس آند فريندز» من عام 2017 إلى عام 2024.
حياة عائلية صاخبة
عائلياً، عام 2004، تزوّج زوجته الأولى، ميريديث شوارتز، التي كانت صديقته في المدرسة الثانوية من مينيسوتا؛ إلا أنهما انفصلا في عام 2009 بعدما اعترف بخمس علاقات خارج الزواج. ثم في عام 2010 تزوّج من زوجته الثانية، سامانثا ديرينغ وأنجبا ثلاثة أبناء.
وعلى الرغم من هذا، عام 2017، وبينما كان لا يزال متزوجاً من ديرينغ، حملت منه زميلته في «فوكس نيوز»، جينيفر راوشيت وأنجبت له ابنة. وفي ذلك العام تقدمت ديرينغ بطلب الطلاق، ليتزوج هيغسيث من راوشيت، التي لديها ثلاثة أطفال من زواجها الأول، عام 2019.
في عام 2018، في أثناء إجراءات طلاقه من زوجته الثانية، أرسلت والدته بينيلوبي رسالة إلكترونية تنتقد معاملته للنساء. وقالت له: «أنت مسيء للنساء، هذه هي الحقيقة القبيحة، وليس لديّ أي احترام لأي رجل يستخفّ بالنساء ويكذب ويخدع، ويستخدمهن لملذاته وتحقيق سلطته وأنانيته. أنت ذلك الرجل (وكنت كذلك لسنوات). وبصفتي والدتك، يؤلمني ويحرجني أن أقول ذلك، لكنها الحقيقة الحزينة… لقد حان الوقت لشخص ما (أتمنى لو كان رجلاً قوياً) للوقوف في وجه سلوكك المسيء وفضحه، وخاصة ضد النساء». ولقد نشرت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» هذه الرسالة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بعدما أعلن ترمب عزمه ترشيح هيغسيث لمنصب وزير الدفاع. وعلى الأثر، قالت والدته للصحيفة، إنها كتبت الرسالة «بغضب وانفعال»، و«اعتذرت في رسالة أخرى قائلة إن وصفها السابق له لم يكن صادقاً أبداً».
تحريك «البنتاغون»… وزعزعته
غير أن الإشكالات التي تحيط بهيغسيث تتجاوز المسائل الأخلاقية، وقلة خبرته النسبية مقارنة بوزراء الدفاع السابقين، الذين كان لمعظمهم عقود من الخبرة في الجيش أو الكونغرس أو صناعة الدفاع. ذلك أنه يجلب إلى المنصب نظرته السياسية والآيديولوجية تجاه قضايا جوهرية في كيفية إدارة أقوى جيش في العالم. وهذا ما دافع عنه صراحة السيناتور الجمهوري روجر ويكر، عضو لجنة القوات المسلحة، التي ثبتت في البداية هيغسيث بعد تصويت حزبي، حيث حصل على أصوات كل الجمهوريين مقابل اعتراض كل الديمقراطيين (14 مقابل 13). وما قاله ويكر إنه «ليس قلقاً من تلك الإشكاليات ومن قلة خبرته؛ لأن لديه كثيراً من المعرفة، وبصراحة، نحن بحاجة إلى تحريك الأمور في البنتاغون (وزارة الدفاع)». وأردف: «هناك الكثير من البيروقراطية، والكثير من العقبات، والكثير من الصناديق التي يجب التحقق منها… أصبحت البيروقراطية متداعية بمرور الوقت، ولذا فإن هذا جزء من تفويض إدارة ترمب لزعزعة الأمور والقيام بالأشياء بشكل مختلف».
سيطرة ترمب تترسّخ
وحقاً، يؤكد تثبيت هيغسيث في منصبه، على الرغم من كل الجدل الذي أحاط بترشيحه، رسوخ سيطرة ترمب على الحزب الجمهوري، الذي طالما كرّر مطالبة القادة العسكريين الرئيسيين بالولاء، وأعلن نيته نشر الجيش في مواجهة أي اضطرابات داخلية.
هذا الأمر، عدّه البعض محاولة لتغيير حيادية المؤسسة العسكرية غير الحزبية لمصلحة الولاء له، وسط تسليم كامل من الجمهوريين. وفي حين يُعتبر الإشراف على «البنتاغون» وظيفة أساسية في أي إدارة، كان منصب وزير الدفاع منصباً مضطرباً إبان فترة ولاية ترمب الأولى، عندما شغل خمسة رجال المنصب في سنوات ترمب الأربع. وأيضاً كانت علاقة ترمب بقادته المدنيين والعسكريين خلال تلك السنوات محفوفة بالتوتر والارتباك والإحباط، حيث كافحوا لتهدئة أو حتى تفسير التغريدات والتصريحات الرئاسية التي فاجأتهم بقرارات سياسية مفاجئة ما كانوا مستعدين لتفسيرها أو الدفاع عنها.
عودة إلى هيغسيث، فإنه بينما يصف اليسار السياسي بـ«أعداء أميركا المحليين» و«مخرّبي أميركا»، يحتقر السياسات والقوانين والمعاهدات التي تقيّد المقاتلين في ساحة المعركة، من قواعد الاشتباك التقييدية إلى «اتفاقيات جنيف»، التي يرى أنه «عفّى عليها الزمن ضد الأعداء الذين لا يلتزمون بها». وهو، بجانب ذلك، لا يتحلّى بالصبر الكافي للتعامل مع الأسئلة الأخلاقية المحيطة بالحرب؛ إذ قال ذات مرة عن إسقاط القنبلة النووية على اليابان: «لقد انتصرنا، مَن يهتم (بغير هذا)»، كما دعا إلى إعادة تسمية وزارة الدفاع باسمها الأصلي وزارة الحرب، وتنفيذ حظر لمدة 10 سنوات على عمل الجنرالات لدى المقاولين الدفاعيين بعد تقاعدهم من الجيش.
«المستيقظون» أسقطوا الجيش
من جهة أخرى، شكا هيغسيث، الذي سيتولى قيادة 3 ملايين جندي ومدني في البنتاغون، وميزانية قدرها 850 مليار دولار، وقوات منتشرة في جميع أنحاء العالم – لمواجهة خصوم يتزايدون جرأة كالصين وروسيا، وتهديدات كوريا الشمالية وإيران النووية، ومواجهة الإرهاب – في كتابه «الحرب على المحاربين» عام (2024)، من أن الجنرالات «المستيقظين» (أي: المنفتحين والمتيقّظي الضمير) وقادة الأكاديميات الخدمية النخبوية تركوا الجيش ضعيفاً بشكل خطير و«أنثوياً» من خلال تعزيز التنوع والمساواة والشمول.
وتابع أن الجنود العاديين يقوّضهم «القادة المدنيون غير المبالين والضباط الحمقى»، وأن على «القائد الأعلى القادم تطهير البيت». وهو، في المقابل، يسخر من أفراد الخدمة المتحوّلين جنسياً ويسيء إليهم، زاعماً أن الجيش يُنفّر المجندين… و«أن أبناء وبنات أميركا البيض يبتعدون، ومن يستطيع أن يلومهم على ذلك؟!».
وهكذا، يتبنى هيغسيث آراءً مغالية بيمينيتها المحافظة، حتى إنه وُصف بأنه «قومي مسيحي»، ولديه مثل ترمب، وجهة نظر تقليدية عن الرجولة، وكتب «أن الرجال ينجذبون بطبيعتهم إلى القتال والتنافس وإثبات قوتهم».
وبالفعل، يحمل هيغسيث العديد من الوشوم، من بينها «صليب القدس» على صدره، وآخر باللاتينية «يريد الله ذلك» الذي رفعه مثيرو الشغب في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، ما تسبب بإبعاده عن المشاركة في الترتيبات الأمنية لحفل تنصيب جو بايدن. يصف هيغسيث الليبراليين واليساريين
بـ«أعداء أميركا المحليين» و«مخرّبي أميركا»
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.