ما الذي حدث في سوق سندات الخزانة الأميركية؟

جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوقف الرسوم الجمركية الباهظة التي قال إنه سيفرضها على عشرات الدول قبل أسبوع في أعقاب اضطرابات بالأسواق المالية شملت عمليات بيع حادة في سوق سندات الخزانة البالغة قيمتها 29 تريليون دولار.
وقال ترمب، يوم الأربعاء، إن سوق السندات قد تعافت بشكل جيد بعد أن شعر المستثمرون بالقلق في رد فعل على إعلانه عن الرسوم الجمركية. وقال للصحافيين: «سوق السندات الآن في حالة رائعة».
يُعدّ هذا البيع أحدث مؤشر على قدرة أسواق السندات الحكومية على ضبط صانعي السياسات، في حين ازداد الحديث عن عودة ما يُسمى بمراقبي السندات في السنوات الأخيرة.
ماذا حدث في أسواق السندات هذا الأسبوع؟
باختصار، تعرضت سوق سندات الخزانة الأميركية – وهي ركيزة أساسية للنظام المالي العالمي – لضغوط بيع شديدة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض لأجل 10 سنوات.
وعند نقطة واحدة، كانت عائدات السندات لأجل 10 سنوات في طريقها لتحقيق أكبر قفزة أسبوعية لها منذ أكثر من عقد من الزمان.
تتحرك عوائد السندات بشكل عكسي مع السعر. وعند تداولها عند 4.27 في المائة، يوم الخميس، تكون هذه العوائد أقل بكثير من ذروة، يوم الأربعاء، عند 4.51 في المائة. كما أنها أقل بكثير من أعلى مستوى بلغ 5 في المائة تقريباً في أواخر عام 2023 والمستويات المكونة من رقمين التي شوهدت في الثمانينات. والجدير بالذكر أن هذه القفزة كانت انعكاساً حاداً للهبوط الأولي الذي شهدناه بعد إعلان ترمب عن الرسوم الجمركية الشاملة الأسبوع الماضي والذي أثار مخاطر الركود في الولايات المتحدة وتوقعات خفض أسعار الفائدة.
لماذا هذا الاهتمام؟
لأن سوق الخزانة أمر بالغ الأهمية لاستقرار الأسواق المالية في الداخل والخارج.
يمكن للحكومة أن تجمع الإيرادات لتمويل الإنفاق من خلال الإيرادات، مثل إيرادات الضرائب أو اقتراض الأموال من أسواق السندات. ولا يقتصر الأمر على أنها تواجه ارتفاع تكاليف الاقتراض عندما يكون هناك بيع للسندات فحسب، بل إن هذه الزيادات تنتقل إلى الرهون العقارية وقروض الشركات، مما يؤدي إلى انتشار الضرر الاقتصادي.
على سبيل المثال، يُقاس معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً على سبيل المثال إلى سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، التي ارتفعت بأكثر من 20 نقطة أساس في وقت ما يوم الأربعاء – قبل أن يؤدي توقف الرسوم الجمركية إلى الهدوء.
وارتفعت العوائد على سندات الشركات الأميركية، التي يتم تسعيرها على أساس سندات الخزانة الأميركية. وأغلقت العوائد على السندات الأميركية غير المرغوب فيها يوم الأربعاء أعلى بنحو نقطة مئوية عما كانت عليه قبل أسبوع عند 8.38 في المائة، كما أظهر مؤشر بنك أوف أميركا ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية التي أدت أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل صداعاً لدول، مثل بريطانيا وفرنسا، التي تعاني بالفعل من ارتفاع حجم الديون.
وقد ارتفع عائد السندات اليابانية المثقلة بالديون لمدة 30 عاماً هذا الأسبوع إلى أعلى مستوياته في 21 عاماً، كما بلغت عائدات السندات البريطانية لمدة 30 عاماً أعلى مستوياتها منذ عام 1998، وكلاهما كان أقل من تلك القمم يوم الخميس.
ما مدى سوء الضغط؟
أدت سرعة وحجم عمليات البيع في سندات الخزانة إلى ظهور علامات الاضطراب مع قيام صناديق التحوط بالتخلص من بعض الرهانات التي تغذيها الديون.
وفي حين قال المتعاملون في السوق، بما في ذلك السماسرة والتجار والمستثمرون، إن عمليات البيع كانت منظمة، إلا أن مؤشرات مثل فروق أسعار العرض والطلب – أو الفرق بين عروض أسعار المشترين والبائعين – اتسعت يوم الأربعاء قبل إعلان ترمب. وقال أحد مكاتب التداول إن فارق العرض والطلب كان ضعف مستوياته الطبيعية.
وشبّه المستثمرون والمحللون تحركات هذا الأسبوع بـ«الاندفاع المحموم نحو النقد» في مارس (آذار) 2020، عندما أجبر الانهيار في سوق الخزانة بنك الاحتياطي الفيدرالي على التدخل من خلال عملية إنقاذ ضخمة لشراء السندات بقيمة 1.6 تريليون دولار، كما أن حجم عمليات البيع، التي سلطت الضوء على نقاط الضعف في سوق رئيسية، قد رسمت أوجه تشابه مع أزمة الموازنة البريطانية المصغرة لعام 2022 التي أشعلت شرارة أزمة السندات البريطانية.
هل تسببت صناديق التحوط في عمليات البيع؟
كان أحد التفسيرات لعمليات البيع الحادة هو أن الفك السريع لما يسمى بصفقات الأساس كان يؤدي إلى تفاقم عمليات البيع. وتعتمد الصفقات الأساسية، التي عادة ما تكون مجالاً لصناديق التحوط الكلية، على بيع العقود الآجلة أو مقايضات الدفع وشراء سندات الخزانة النقدية بأموال مقترضة، بهدف استغلال الفروق الطفيفة في الأسعار.
إذا طلبت إحدى شركات الوساطة الرئيسة، التي تُقرض الأموال لصناديق التحوط، استرداد أموالها، فقد يؤدي ذلك إلى إلغاء صفقة الأساس. كان هناك أيضاً بعض القلق من أن الصين يمكن أن تقوم بتفريغ سندات الخزانة الأميركية، وهو أمر قد يستغرق بعض الوقت ليظهر في الأرقام الرسمية. وتُعد الصين ثاني أكبر حامل أجنبي للديون الحكومية الأميركية بعد اليابان، حيث تمتلك ما يقرب من 761 مليار دولار من السندات في يناير (كانون الثاني).
من أين يأتي دور حراس السندات؟
يشير مصطلح حراس السندات، الذي تمت صياغته في الثمانينات، إلى مستثمري الديون الذين يسعون إلى فرض الانضباط المالي على الحكومات التي يرون أنها مسرفة من خلال رفع تكاليف الاقتراض.
وفي سياق هذا الأسبوع، يُستخدم هذا المصطلح أيضاً لوصف عمليات البيع في سوق السندات بعدّها علامة على إعراب المستثمرين عن قلقهم بشأن عواقب السياسات الخاطئة في صنع السياسات.
وقالت شركة «يارديني» للأبحاث في مذكرة لها: «لقد ضرب حراس السندات مرة أخرى»، مضيفة أنهم اللاعبون الوحيدون الذين حققوا نسبة نجاح 100 في المائة في الأسواق الأميركية.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.