على خطى طرابلس… بنغازي تدشّن قسماً لـ«حماية الآداب»

وسط مخاوف وانقسام بين مؤيد ومعارض، تختبر الأوساط السياسية والاجتماعية في شرق ليبيا، استحداث وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب، عصام أبو زريبة، قسماً لـ«حماية الآداب العامة» بمديريات الأمن بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي مواجهة أصوات رحبت بالقرار وعدّته «انتصاراً وتعزيزاً لحماية قيم المجتمع والتصدي للظواهر المنافية للأخلاق»، أبدى سياسيون وحقوقيون مخاوفهم من «التضييق على الحريات الخاصة»، مستغربين إصدار مثل هذه القرارات من الحكومتين المتنازعتين على السلطة في البلاد، و«كأنهما تستهدفان تحويل الانتباه عن قضايا أمنية أكثر إلحاحاً».
ووصف الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، قرار تأسيس وزارة داخلية حكومة أسامة حماد لهذا القسم، بكونه «سيراً على خطى منافستها في طرابلس، والتي سبق أن استحدثت قبل أربعة أشهر إدارة لحماية الآداب».
واتهم القماطي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وزارتَي الداخلية في شرق ليبيا وغربها بـ«الإخفاق في القيام بجهد واضح لمعالجة التحديات الأمنية التي تهدد أمن المواطنين، من بينها ما يتعرضون له من تعديات من بعض المجموعات المسلحة والأجهزة الأمنية».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.
ويعتقد القماطي أن «داخليتَي» الحكومتين «تعملان على تعويض هذا الإخفاق بسياسات الإلهاء؛ باللعب على وتر حماية الأخلاق والآداب، لمعرفتهم باهتمام الليبيين بهذه القضايا».
وذكّر في هذا الصدد بتصريحات سابقة لوزير داخلية حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عماد الطرابلسي، أثارت جدلاً واسعاً عندما أعلن عن عودة «شرطة الآداب» إلى الشوارع لمواجهة «الظواهر المنافية لقيم المجتمع»، منتقداً حينها «صيحات الشعر وملابس الشباب»، وداعياً إلى منع الاختلاط في المقاهي والأماكن العامة، وفرض ارتداء الحجاب على الطالبات.
ولفت القماطي إلى بث بعض الأجهزة الأمنية مقاطع مصورة تظهر اعتراف أفراد تم القبض عليهم بتهم أخلاقية، أو تصوير عملية حلق شعر بعض القصّر ممن تم ضبطهم في الشوارع، معتبراً أن هذا النهج يهدف إلى «تضخيم تلك القضايا وتصويرها كوباء منتشر في المجتمع».
أما الناشط الحقوقي الليبي، طارق لملوم، فتساءل عن الدافع وراء استحداث هذا القسم رغم «اضطلاع النيابات وأجهزة وزارة الداخلية المختلفة بمباشرة هذه النوعية من القضايا طيلة السنوات السابقة بلا مشاكل»، لافتاً إلى «عدم ظهور إحصاءات دقيقة عن معدل هذه القضايا في ليبيا، فضلاً عن الطبيعة المحافظة للشعب الليبي».
واعتبر لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك المعطيات «تعزز الشكوك حول أن الهدف هو تحقيق مكاسب شعبوية لحكومة حماد عبر تأكيد الصبغة الدينية والأخلاقية لها، وأن قياداتها هي من تتصدى لحماية الفضيلة في المجتمع، بدرجة أكبر من غريمتها في طرابلس».
وكان عصام أبو زريبة وزير الداخلية بحكومة حماد، استعرض جهود وزارته أمام مجلس النواب، وتحدث عن «نجاحها في خفض معدلات الجريمة خلال عام 2024 بنسبة تقارب 44 في المائة مقارنة بسنوات سابقة»، إلا أنه لم يتطرق بأي شكل إلى معدل جرائم الآداب.
ويرى لملوم أنه «كان من الأجدر بداخلية شرق ليبيا، تكثيف الاهتمام لملاحقة المسؤولين عن المقابر الجماعية التي تم الكشف عنها مؤخراً بمنطقة الكفرة جنوب البلاد، وتضم العديد من جثث المهاجرين غير النظاميين الذين خُطفوا من قبل عصابات الاتجار بالبشر».
ووثق تقرير أممي نُشر نهاية العام الماضي، مسؤولية بعض قادة المجموعات المسلحة والأجهزة الأمنية عن انتهاكات وصلت إلى ارتكاب جرائم القتل، والتعذيب، والاحتجاز التعسفي ضد مدنيين.
في المقابل، دافع عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، عن القرار معتبراً إياه «تكراراً لما هو موجود بدول عديدة بالمنطقة العربية التي تبدي اهتماماً واسعاً بكل ما يتعلق بالآداب والأخلاق العامة كملابس النساء والشباب وقواعد الاختلاط».
وقال التكبالي: «نعم تندر جرائم التحرش بالمجتمع بسبب طبيعته المحافظة، ولكن هذا لا يعني عدم وقوع مضايقات لبعض النساء والفتيات من حين لآخر، وقيام البعض بمطاردتهن بالسيارات… تلك السلوكيات لا بد من التصدي لها وتشديد العقوبة على مرتكبيها».
ويبدي بعض المراقبين تخوفهم من توظيف السلطات التي ستُمنح لعناصر هذه الأقسام المعنية بحماية الآداب، والتي ستنتشر في الأسواق والأماكن العامة، لـ«تصفية حسابات شخصية، أو التصرف وفقاً لأهواء تلك العناصر التي ربما لم تتلقَّ تدريبات كافية، فضلاً عن أن عدداً منهم كانوا عناصر بمجموعات مسلحة».
ويرى البرلماني أن تأسيس قسم لحماية الآداب «ليس أكثر من عملية إحياء لما كان موجوداً في سنوات ماضية من شعب وإدارات تهتم بتلك القضايا».
وانتهى التكبالي إلى أن «الاهتمام بمكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، لا يعني إهمال جرائم أخرى تحتل أولوية أيضاً لدى المجتمع».
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.