صحيفة الشرق الأوسط – الدوري السعودي: «شبح الهبوط» يشعل ديربي القصيم

هل يوقف «مشروع التوثيق» عدَّاد المزايدات على «البطولات السعودية»؟
بينما تلاشت لجان عمل سابقة لأسباب خلافية، ونقاشات لم يُكتب لها الوفاق، ومعارضة من الأندية ومؤرخيها، أمضى مشروع عمل توثيق تاريخ كرة القدم السعودية اجتماعاته بتوافق كبير، لهدف أسمى من الجدل الدائر حول عدد الألقاب والبطولات.
وفي مشهد عدَّه الكثيرون سابقة تاريخية في مسيرة الرياضة السعودية، أُسدل الستار (الثلاثاء) على واحدة من أضخم عمليات التوثيق الكروي في العالم؛ مشروع يُعيد كتابة التاريخ الرياضي السعودي بالتوثيق والتحقيق لا بالاجتهاد والاعتماد على الذاكرة.
ولم يكن الهدف إعلان من الأكثر تتويجاً بلقب الدوري السعودي أو كأس الملك، بل أن يكون العمل أشبه بمتحف رياضي لكنه مكتوب. إنه إرث يمتد لما يزيد على مائة عام، أُعيدت كتابته من جديد وسيرى النور خلال أيام بتقرير موسَّع ينشره اتحاد كرة القدم السعودي عبر موقعه الإلكتروني.
ولم يكن مشروع التوثيق الكروي السعودي، الذي وصفه خبراء دوليون بأنه «أنموذج عالمي في الالتزام والحوكمة»، مجرد مهمة عابرة لتوثيق بطولات الأندية أو تعداد الألقاب، بل هو جهد مؤسسي عميق امتد عبر سنوات، قاده فريق عمل مكوّن من 10 أعضاء معتمدين من الجمعية العمومية للمشروع، التي تضم 64 نادياً تمثل جميع درجات كرة القدم في المملكة.
وبينما يظن البعض أن النقاش الدائر حول «مَن حقق هذا اللقب؟» هو جوهر التوثيق، إلا أن المشروع تجاوز هذا المفهوم الضيق، إذ لم يُجرَ أي تصويت على البطولات لأنها «واقع تاريخي مثبت»، بل كان التصويت على وضع معايير التوثيق ووثيقة الالتزام، التي أقرتها الجمعية العمومية بالإجماع ضمن محاضر رسمية، كانت بمثابة خريطة الطريق لبناء هذا السجل التاريخي الذي اكتمل بنسبة 100 في المائة.
ومن أبرز الاكتشافات التاريخية التي توصل إليها فريق العمل، تصحيح تاريخ تأسيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، حيث ثبت بالتوثيق الرسمي أن التأسيس يعود إلى 18 مايو (أيار) 1955، لا كما كان يُعتقد سابقاً أنه في 10 يونيو (حزيران) 1956، وذلك بناءً على خطاب رسمي من الإدارة العامة للرياضة البدنية والكشافة بوزارة الداخلية موجَّه إلى «فيفا».
كما أماط المشروع اللثام عن انطلاقة الدوري السعودي، مؤكداً أن أول موسم رسمي يعود إلى عام 1957 – 1958، مما يجعل نسخة الموسم الجاري من الدوري السعودي للمحترفين هي النسخة رقم 67 في تسلسل بطولات الدوري، مكتملة منها 63 نسخة تاريخياً.
ولا تقف الأهمية عند حدود التواريخ فحسب، بل صدَّقت الأندية على سجل بطولاتها رسمياً، لتصبح موثَّقة وعلنية، ويمكن لكل نادٍ نشرها الآن بما يتوافق مع ما ورد في التقرير النهائي.
هذا التقرير، الذي تجاوزت صفحاته 1500 صفحة، سيُعلَن قريباً بعد استكمال الإجراءات الرسمية، ويُعد مرجعاً رسمياً للكرة السعودية، بما يحويه من وثائق، وصور، وخطابات رسمية، ومحاضر، وأرشيف رقمي يعكس الذاكرة الكروية للوطن.
ويُعد المشروع ثمرة تعاون مؤسسي شاركت فيه جهات سيادية وثقافية ورياضية، من دارة الملك عبد العزيز إلى وزارة الرياضة، ورابطة الدوري، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع، إلى جانب خبراء من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وهو ما منح المشروع بعداً دولياً ورسمياً غير مسبوق. وأحد أوجه التوثيق المهمة تَمثَّل في رصد البطولات كافة على نطاق المناطق؛ سواء كانت دورياً أو بنظام خروج المغلوب، حفاظاً على مسميات ومكتسبات الأندية التاريخية، إضافةً إلى توثيق 66 بطولة بالمسمى الملكي، منها 36 نسخة لكأس الملك بنظام خروج المغلوب، و30 نسخة بنظام الدوري، إلى جانب 37 نسخة من كأس ولي العهد.
وفي المجمل، لم يكن المشروع سرداً لأمجاد الماضي فقط، بل تأسيس لإرث رياضي سعودي معتمَد يمكن تصديره للعالم، ضمن خطط تسويق رياضي طموحة تضع تاريخ الكرة السعودية في واجهة المشهد العالمي.
هل سينتهي النقاش عن الأبطال؟
بدوره كشف عبد الإله النجيمي، عضو فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية، عن أن التقرير النهائي لمشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية سيُنشر خلال الأيام العشرة القادمة.
وقال النجيمي في مداخلة مع إذاعة «يو إف إم» إن الأندية لها الحق في نشر بطولاتها التي تمت التصديق عليها خلال المشروع، ولكن مع توضيح المعايير التي جرى اعتمادها، لافتاً إلى أن نشر عددٍ من الأندية الأرقام الإجمالية لبطولاتها جاء متوافقاً مع جرى اعتماده.
وعن نشر بعض الأندية عدد بطولاتها بطريقة تبدو مختلفة عمَّا تضمنه التقرير النهائي، لفت النجيمي إلى أن الأندية التزمت بالمعايير التي اعتُمدت لكنها نشرت بطريقة شاملة تتضمن إعلان مجموع البطولات العامة أو المناطقية، مشدداً على أن التقرير النهائي سيكشف عن مدى التزام الأندية بما تم التوافق عليه بشكل دقيق.
وعن منشور النصر الذي تحدث فيه عن الفوز بـ19 بطولة دوري، أشاد النجيمي بالعمل الذي قدمه نادي النصر طوال المشروع، لافتاً إلى أن التقرير الذي قُدم للنصر موضح فيه معيار البطولة سواء دوريات واسعة «عامة» أو دوريات مناطقية، كما أن النصر أوضح في بيانه ذلك، وهو ما يتواءم مع تم التوافق عليه، مشيراً إلى أن التقرير النهائي سيوضح معيار كل بطولة ومسابقة بشكل أكبر وبالتفصيل.
وبسؤاله عن رفض نادي الشباب التصديق على التقرير النهائي، وما إذا كان يحق له اللجوء إلى محكمة «كاس»، قال النجيمي: «الأمور القانونية لست مخولاً بالحديث عنها، ولكن الأندية كافة كان متاحاً لها الاجتماعات الفردية والمناقشات الفردية، وكل ما طُرح في الجمعية العمومية كان مستنداً إلى اللوائح وجرى التصديق على المعايير كافة، ولكن آخر معيار كان عليه اعتراض من نادي الشباب، وبابنا مفتوح للمناقشات والحوار مع نادي الشباب، ولكن بما يتوافق مع جرى التصديق عليه في الجمعية العمومية، كل ما تم التصويت عليه كان متعلقاً بالمبادئ والمعايير العامة، والأندية كانت على علم أولاً بأول بما يجري التوافق عليه بعد كل اجتماع».
وأضاف: «أقول للشارع السعودي الرياضي إنه لم يسبق أنْ نُفِّذت مشاريع توثيق بهذه الحوكمة المتقنة وهذا النجاح والتنظيم الباهر في أي مكان في العالم؛ إذ شارك الجميع في توثيق التاريخ الرياضي، ولدينا أكثر من 150 بطلاً، وهو يؤكد أن تاريخ كرة القدم السعودية مشترك بين الجميع».
وواصل: «المشروع غير موجَّه، وليست له أي ميول، ولا يمكن لمشروع يعمل تحت هذه الحوكمة أن يعمل لمصلحة نادٍ بعينه، وهو ما لمسه الجميع خلال الاجتماعات».
وتابع: «تحفُّظ نادي الشباب كان فيما يخص الدوري الرئيس (على مستوى المملكة) والمعايير التي وُضعت له، ورحَّبنا دائماً بذكر أي اعتراض على أي معيار لتتم مناقشته، ولم تصل إلينا أي ملاحظات مباشرة حول هذا المعيار».
ملامح التغيير في التقرير النهائي
التقرير النهائي للمشروع الذي رصد تاريخ كرة القدم السعودية بصورة إجمالية خلص إلى أن الاتحاد هو الفريق الوحيد الذي شارك في جميع نسخ الدوري، كما انفرد بوصافة سجل أبطال الدوري بواقع 13 لقباً مقابل عشرة ألقاب للنصر.
كذلك قلص الاتحاد الفارق بينه وبين الهلال الذي يتزعم السجل الشرفي لأبطال الدوري السعودي بعدد 21 لقباً مقابل 13 لقباً بعد أن كان يمتلك سابقاً ثمانية ألقاب.
رغم حفاظ الهلال على صدارته لقائمة أكثر الأندية فوزاً بالدوري، فإن نتائج التوثيق الأخيرة كشفت عن خسارة الأزرق العاصمي، وأنه ليس البطل الأول للدوري كما كان يُعرف سابقاً، كما كُشف عن أن الهلال لم يشارك في جميع نسخ المسابقة، كما خسر الهلال جزءاً من أفضليته التاريخية بعد تقلص الفارق مع الاتحاد، لكن في المقابل كسب الهلال صفة النادي الأكثر فوزاً بكأس الملك بعد مراجعة السجلات، وهو إنجاز يعزز إرثه كأكثر الأندية تحقيقاً للبطولات الكبرى.
أما الأهلي فقد استفاد بوضوح من مشروع التوثيق، إذ صعد إلى المركز الرابع في سجل أبطال الدوري برصيد 9 ألقاب، ليصبح على بُعد لقب واحد فقط من النصر صاحب المركز الثالث، بـ10 ألقاب. ويعد الأهلي في هذا المشروع خاسراً فرصة الفريق الأكثر فوزاً بكأس الملك التي ذهبت إلى الهلال، لكنَّ ترتيبه في الدوري يضعه في موقع جيد للمنافسة التاريخية في المستقبل.
من جانبه، خسر النصر عدة مكاسب؛ أولها أنه لم يعد من الفرق التي شاركت في كل نسخ الدوري حاله كحال الهلال. كما خسر وصافة جدول أبطال الدوري لصالح الاتحاد، وتراجع بفارق لقب فقط عن الأهلي الذي بات خلفه مباشرةً، وهو أمر يجعل مشاركته مهدَّدة في حال أدركه الأهلي بلقب والخسارة مركزاً عندما يتقدم عليه بلقبين.
ربما كانت صدمة الشباب هي الأشد، إذ تراجع ترتيبه إلى المركز الخامس في سجل أبطال الدوري، وبعدما كان يحتل المركز الثالث سابقاً، بعدد ألقابه المتوَّج بها (6 بطولات دوري)، بات بعيداً عن النصر الثالث (10 بطولات) بفارق ثلاث بطولات.
ورغم أن نادي الوحدة ليس من الأندية المتصدرة في عدد الألقاب، فإن مشروع التوثيق أنصفه تاريخياً، إذ أكد أنه أول بطل للدوري السعودي، وأول من حقق كأس الملك عام 1966، مما أعاد له شيئاً من بريقه التاريخي الذي ظل في الظل لسنوات طويلة.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.