أهم الأخبار

حضور القضية في فيلم فلسطيني ومواقف


«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان»- 5

حطت غزّة، أول من أمس، بثقلها المعنوي وقضيَّتها المثارة، من خلال فيلم «كان يا ما كان في غزّة» (ضمن مسابقة «نظرة ما»، حيث يُعد الآن أحد الأفلام الأكثر احتمالاً للفوز بجائزة)، للأخوين طرزان وعرب ناصر. امتلأت صالة ديبوسي، المخصصة للعروض النقدية والصحافية، بالحاضرين الذين جذبهم العنوان، والمناصرين الذين يزداد عددهم، خصوصاً بعد تصاعد الموقف الحكومي الفرنسي من عمليات الجيش الإسرائيلي في غزّة.

المخرجان عرب وطرزان ناصر (إ.ب.أ)

وإذ صعد المخرجان التوأمان إلى مسرح الصالة مع فريق الفيلم وسط تصفيق حاد، ألقيا خطاباً قصيراً أشارا فيه إلى حملة الإبادة، وطالبا عبره بالتحرك لوضع حد لها، بدلاً من الاكتفاء بكلمات تُعبِّر ولا تُؤثر.

ارتفعت نبرة التصفيق خلال الكلمة، ثم عادت أقوى عندما انتهى الفيلم، ووقف الحضور مصفّقين لنحو 7 دقائق. بذلك، اتحد الفيلم وبعض مضمونه مع الوضع السياسي القائم، ومع الحجم المتزايد لمعارضي الحملة العسكرية.

لكن هذا كله شيء، والفيلم -بحد ذاته- شيء آخر. لا يعني ذلك أنه مختلف عن التوجه السياسي الذي تحقَّق للفيلم عبر كلمات مخرجيْه، لكن هناك شيئاً غير مُتصل تماماً بالوضع القائم، سنراه حين ننْفذ إلى حكاية الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشاهد قصف وحشي تتعرض له المدينة، وهي مشاهد من أشرطة إخبارية تُمهّد لربط الفيلم بالوضع القائم. تنجح في إثارة المشاعر، وتوسيع رقعة المعرفة لمن قرَّر ألا يُشاهد نشرات الأخبار (التي غالباً ما يُحدَّد المراد منها).

حال انتقال الفيلم إلى حكايته، ينتقل الوضع الحالي إلى خلفية ذهنية غالباً، كون القصّة تتحدث عن أحداث تبدأ سنة 2007، ولا تتمدد باتجاه أعوام لاحقة. هي توحي بذلك، مع فارق أن الأحداث نفسها لا تقع اليوم. مع ذلك، التواصل بين ما يعرضه الفيلم وما يجري في الواقع متين. ما نراه، في أحد جوانبه، يشبه كرة الثلج في بداية تدحرجها.

أسامة (مجد عيد) لديه محل فلافل، ويتاجر بالمخدَّرات في الوقت نفسه. بعض مخدّراته موضوعة في أرغفة الفلافل لزبائن معيّنين. يحيى (نادر عبد الحي) هو معاونه في المحل وشريك في التجارة. في أحد المشاهد الأولى، نرى أسامة في عيادة طبيب يطلب مخدّراً عالي التأثير مُدَّعياً أوجاعاً في اليد، ويستغل غياب الطبيب ليسرق أوراق الروشتات ويختمها لتسهيل الحصول عليها من الصيدليات.

المخرجان عرب وطرزان ناصر والممثلان نادر عبد الحي ومجد عيد والمنتج راني مصالحه والمنتجة ماري لوغران (رويترز)

الضابط أبو سامي (رمزي مقدسي) يقبض على أسامة بالجرم المشهود، لكنه يُخلي سبيله بعد الاتفاق على أن يكون شريكاً معه في التجارة. يُخِلّ أسامة بالاتفاق، فيطلق أبو سامي النار عليه. يريد يحيى الانتقام ويفعل. في أثناء ذلك، يمثِّل يحيى دور البطولة في فيلم بعنوان «الثائر» عن القضية. يُسأل، في حوار الفيلم داخل الفيلم: «ماذا قدّمت للقضية؟»، وهو سؤال يخصُّ الجميع: في الفيلم الذي نراه، وفي الفيلم الآخر الكامن داخله، والموجَّه إلى المشاهدين أيضاً.

هو فيلم شاق الصنع في الأساس، وتتحوَّل تلك الصعوبة إلى استحالة وسط الوضع القائم. يذكِّر طرزان ناصر بأن «نفاذ ممثلي الفيلم من الحصار الإسرائيلي لحضور هذا المهرجان كان أعجوبة».

أدوات بسيطة

الفساد الداخلي، عبر هذه الشخصيات، هو نتيجة أوضاع اجتماعية يحاول هؤلاء، ترميزاً لعديدين، تحقيق مصالحهم المادية تحت ثقل الحصار الاقتصادي على المنطقة. السَّماح للمواطنين بمغادرة القطاع صوب الضفّة (أو أي مكان آخر) يخضع لتحرِّيات أمنية، لكن حتى أولئك الذين لا يتعاطون السياسة ولم يرتكبوا ما قد يُعدُّ مسّاً بأمن إسرائيل، كما في حالة يحيى، يُمنعون من السفر.

يعرض الفيلم، من حين لآخر، مشاهد لمدينة غزّة مذكّراً بأنها كانت مدينة متكاملة المساحة والبنيان، ثم ها هي الانفجارات الناتجة عن قصف جويٍّ تُدمر أطرافها. أبطال الفيلم يبدون غائبين عن وضع لا يستطيعون فعل شيء حياله، فيتجهون لتأمين مصالح أخرى.

المخرجان عرب وطرزان ناصر وأعضاء فريق التمثيل (رويترز)

يقع الفيلم في مطبِّ رغبة مخرجيه، الأخوين ناصر، في تفعيل نقلات متعسّفة للحكاية. يحيى، الذي مات في ثلث الفيلم الأول، يظهر حيّاً في الثلث الأخير. لا يُوضح الفيلم مكمن الصلة ولا السبب، أو هو يدلي بما يبقى بحاجة إلى نقطة وصل تعززه.

يصوّر الفيلم، بنجاح، الأدوات البسيطة التي يعمل بها الإنتاج الفلسطيني (في المرحلة التي يصوِّرها الفيلم)، راغباً في إيصال قضيته عبر السينما إلى العالم. لا بأس… جان-لوك غودار استخدم كرسيّاً متحركاً خلال تصويره «نَفَس لاهث» (A Bout de Souffle) عِوض الشاريو، لكن كان يمكن للأخوين ناصر تعزيز هذا الجانب من الموضوع من خلال تقديم فيلم جاد فنيّاً ومضمونيّاً (وليس فيلم بطولة ترفيهياً)، ما دامت الصعوبة هي نفسها.

جولييت بينوش رئيسة لجنة تحكيم الدورة الـ78 لمهرجان «كان» السينمائي (إ.ب.أ)

فلسطين كانت حاضرة فعلياً منذ يوم الافتتاح، عندما ألقت رئيسة لجنة التحكيم، الممثلة جولييت بينوش، كلمتها طالبةً وقف العدوان على غزّة. تحدَّثت عن الضحية دون تسمية الجلّاد، لكنَّ هذا لم يمنع اللوبيات المعروفة من مهاجمة موقفها.

لاحقاً، خلال مؤتمر صحافي، وُجّه إليها سؤال عن سبب عدم وضع اسمها على القائمة التي تألفت من نحو 700 فنان ومثقف يدينون حملة الإبادة في غزّة. ردّت على الصحافي: «ربما ستدرك السبب لاحقاً».

جولييت بينوش طالبت في كلمتها بوقف العدوان على غزّة (أ.ف.ب)

لكن ما أُشيع قبل 4 أيام، أن جولييت انضمت إلى الحملة ووقَّعت (والممثل بيدرو باسكال، الذي يتصدر بطولة فيلم «إينغتون» المعروض في المسابقة الرسمية) على العريضة، ما يمكن اعتباره ردّاً منها على ما وُوجهت به من معارضة.

رسالة إسرائيلية

المعارضة، بحد ذاتها، في موضع حرج. هناك مأساة تقع لا يمكن التغاضي عنها، والرأي العام الفرنسي، كالغربي عموماً، بات أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين من أي وقت مضى. بالإضافة إلى ذلك، ما صدر من فرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، وكندا في الأيام القليلة الماضية من مطالبات بوقفٍ فوري للحملة العسكرية.

تلك المعارضة باتت نوعاً من الدفاع المُستميت والمتأخر.

ما لم تتوقف عنده المصادر الإخبارية، على الصعيد السينمائي نفسه، ففي رسالة وُجِّهت إلى الحاضرين في هذا المهرجان، كشف سينمائيون إسرائيليون عن فسادٍ ضاربٍ بين المسؤولين عن صناعة الفيلم الإسرائيلي.

حسب الرسالة، فإن الصناعة «مقبوض عليها» من الحكومة اليمينية المؤيدة لنتنياهو و«المتهمة» بالفساد، وذلك منذ عقود.

أحد جوانب هذا الفساد، حسب الرسالة نفسها، أن أكثر من نصف ميزانية صندوق الدعم الوزاري يذهب إلى شخص واحد يُدعى موشي إدري، صاحب أكبر سلسلة صالات في إسرائيل والصديق الحميم لنتنياهو.

تمضي الرسالة مُظهرةً أمثلةً أخرى للفساد المستشري في بنيان الصناعة الإسرائيلية، التي تلقَّت في الأسابيع الأخيرة «ضربة قاصمة من خلال استيلاء الحكومة اليمينية».

ومن مصادر أخرى، أصدرت الحكومة قراراً بمنع فيلم وثائقي إسرائيلي يتحدث عن نكبة 1948، مما أدى إلى قيام حملة تعاطف مع الفيلم، نتج عنها رفض نحو 50 مخرجاً الاشتراك في مهرجان«DocAviv» المتخصص في الأفلام الوثائقية.



المصدر


اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading