أهم الأخبار

حزب الحرية النمساوي المتطرف… لمحة تاريخية وسياسية



هربرت كيكل… زعيم اليمين النمساوي المتطرف ينتظر فرصته لإحداث تغييرات سياسية جذرية

رفض الأحزاب السياسية في النمسا تشكيل حكومة مع حزب الحرية اليميني المتطرف، بزعامة هربرت كيكل، يعود بشكل أساسي لشخص زعيمه وليس للحزب نفسه. ولعل اضطرار حزب الشعب (المحافظ) إلى التخلي عن رفضه التعاون مع كيكل إثر فشل الحزب في تشكيل حكومة، يدل على مدى راديكالية كيكل الذي يقول مراقبون إنه دفع بحزب الحرية إلى اليمين أكثر منذ ترأسه له عام 2021.

المؤرخ النمساوي فلوريان فينيغر، الأستاذ في جامعة فيينا، يرى أن حزب الحرية تحت زعامة كيكل يتبع آيديولوجية قومية جعلته على «ارتباط علني» بحركات يمينية متطرفة، بخلاف ما كان عليه في ظل قيادة الزعيمين اللذين سبقا كيكل في قيادته، يورغ هايدر وهاينز – كريستيان شتراخه. وللعلم، فإن هايدر وشتراخه كانا مرتبطين بشكل وثيق خلال نشأتهما بالنازية. إذن، كان والدا هايدر ناشطَين في الحزب النازي، بينما أمضى شتراخه فترة شبابه عضواً في منظمة «الأخوة القومية الألمانية» التي تنتمي إلى النازيين الجدد.

خلفية كيكل العائلية

في المقابل، فإن كيكل البالغ من العمر 55 سنة، ابن عائلة من الطبقة متوسطة من إقليم كارينثيا، ولا يملك لا هو ولا عائلته ماضياً مرتبطاً بالنازيين. ثم أن حزب الحرية كان يعدُّه «دخيلاً»، بحسب كتاب عن سيرته الذاتية نشر خلال العام الماضي.

بدأ كيكل دراسته الجامعية عام 1988 بدراسة الصحافة والعلوم السياسية في جامعة فيينا. وفي العام التالي تحوّل لدراسة الفلسفة والتاريخ، لكنه لم يكمل في أي من التخصصين، بل سرعان ما بدأ ينشط في حزب الحرية خلف الكواليس، وفي قيادة الحملات الانتخابية بشكل أساسي.

بعدها، عمل كاتب خطابات للزعيم السابق للحزب يورغ هايدر الذي قُتل في حادث سيارة، وثبت أنه كان ثملاً عندما كان يقودها.

وحقاً، كان كيكل صاحب شعارات قومية عدة أطلقها هايدر أثارت الكثير من الجدل – آنذاك – منها «دم فيينا… كثرة الأغراب ليست جيدة لأحد».

من خلف الكواليس إلى وزارة الداخلية

بقي صعود هربرت كيكل، داخل الحزب، خلف الكواليس حتى عام 2017 حين عُيّن وزيراً للداخلية في حكومة قادها حزب الشعب وشارك فيها حزب الحرية. ولقد أثار الرجل إبان فترة ولايته القصيرة التي انتهت بعد سنتين إثر فضيحة فساد أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم، بالكثير من الجدل بسبب سياساته حول الهجرة وتصريحاته التي كان يستخدم فيها تعابير نازية. وأيضاً، خلقت مواقفه من القضاء والإعلام، وانتقاداته لهما، توتراً في العلاقات مع رئيس الجمهورية فان دير بيلن الذي اتهمه بمحاولة تقويض الديمقراطية. ومن ناحية ثانية، أراد كيكل خفض التواصل مع وسائل الإعلام التقليدية، انتقد القضاء لرفضه مقترحاً منه لترحيل المهاجرين المتهمين بجرائم قبل إدانتهم. كذلك تعرّض لاتهامات بأنه يحاول تقويض القوانين الأوروبية وقوانين حقوق الإنسان.

فضيحة… ثم عودة انتهت بتبوئه الزعامة

بعدها، طُرد كيكل من منصبه في أعقاب اتهامه بأنه كان مسؤولاً عن الجانب المالي في حزبه إثر «فضيحة إيبيزا» التي أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم (آنذاك)، وأضرت بسمعة حزب الحرية بشكل كبير. وما يستحق الذكر هنا، أنه كان وراء الفضيحة شريط فيدير صوّر سراً يُظهر زعيم الحزب (في حينه) شتراخه مجتمعاً مع سيدة روسية زعمت بأنها ابنة أوليغارش روسي وبإمكانها أن تساعد بتغطية إعلامية إيجابية لحزب الحرية مقابل خدمات يقدّمها لها الحزب وعقود بقيمة الملايين مع الحكومة النمساوية.

غير أنه، على الرغم من أن حزب الحرية خسر الكثير من شعبيته بسبب تلك الفضيحة، نجح كيكل شخصياً في إعادته إلى الواجهة مستفيداً بشكل أساسي من جائحة «كوفيد – 19». وأيضاً، استفاد كيكل من تراجع حزبه بعد انهيار الحكومة؛ ما أدى إلى استقالة شتراخه من زعامة الحزب. وهكذا، نجح كيكل في الوصول إلى القمة عام 2021 وظفر بموقع الزعامة.

في الواقع، يعود الفضل في تعافي الحزب المتطرف من الفضيحة وصعوده من جديد إلى كيكل نفسه، الذي استغل نقمة كثيرين من القيود التي فرضتها الحكومة للحد من انتشار جائحة «كوفيد – 19»، فرفع شعبيته. وبالفعل، صار الزعيم التطرف وجهاً مألوفاً ومشاركاً دائماً في التظاهرات ضد القيود، وموجهاً سيلاً من الانتقادات الشعبوية إلى الاتحاد الأوروبي مدعياً أنه «يريد التحكّم بنا».

«الحركة الهويّاتية»… و«إعادة الترحيل»

وفي ظل زعامة كيكل اقترب الحزب من «الحركة الهويّاتية» (أو الـ«آيدنتيتاريين»)، وهي حركة قومية يمينية متطرفة جداً. وتبنّى الكثير من أفكارها في وقت كانت جماعات يمينية متطرفة أخرى تبعد نفسها عنها، مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا. وكان زعيم «الحركة الهوياتية» مارتن سيلنر قد أثار جدلاً واسعاً في ألمانيا بنهاية عام 2023 في أعقاب مشاركته في مؤتمر سرّي لليمين المتطرف عقد في مدينة بوتسدام المجاورة للعاصمة الألمانية برلين، طرح فيها فكرة «إعادة الترحيل»، أي ترحيل كل متحدّر من أصول مهاجرة أو مهاجر.

يومذاك، كان من بين المشاركين في المؤتمر، الذي كشف عنه صحافي متخفٍ حضره، ساسة مؤثرون داخل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المعادي للمهاجرين. إلا أن الحزب الألماني أبعد نفسه عن سيلنر وفكرته بعد موجة الغضب الشعبية والسياسية إثر الكشف عن المؤتمر. ولكن في ظل صعود التيار العنصري في الكثير من أنحاء أوروبا، ثبت أنها كانت عامل جذب انتخابي كبيراً… أوصلت اليمين المتطرف النمساوي إلى الفوز بالانتخابات.

بل، حتى في ألمانيا، عادت بعض أفرع حزب «البديل من أجل ألمانيا» لاستخدام التعبير ذاته «إعادة الترحيل» في الحملة الانتخابية تأهباً للانتخابات المبكّرة المقررة يوم 23 فبراير (شباط) بعدما أثبتت نجاحها في جذب الأصوات. وحتى أليس فيدل، زعيمة حزب «البديل» كرّرت التعبير أخيراً، بعد جريمة طعن نفّذها لاجئ أفغاني قتل فيها طفلاً ورجلاً، مستفيدةً من الدعم العلني من أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، لحزبها خلال الأسابيع الماضية.

على صعيد موازٍ، ليست مواقف هربرت كيكل من الهجرة وغزله مع النازيين الجُدد المشكلة الوحيدة بالنسبة لحزب الشعب وأيضاً لأوروبا. ذلك أن موقفه المقرّب من روسيا، وعدائيته العلنية والواضحة تجاه الاتحاد الأوروبي، يشكلان نقاط خلاف كبيرة قد لا يتمكن حزب الشعب من تخطّيها لتشكيل ائتلاف معه. وللعلم، كان كريستيان شتوكر، زعيم حزب الشعب، قد وصف كيكل بأنه «خطر أمني»، ولكن هذا قبل أن يفشل حزبه بتشكيل حكومة ائتلافية، وتوكل المهمة لكيكل.

حينذاك، كان زعيم الشعبيين يرفض رفضاً قاطعاً التحالف مع حزب كيكل. ولكن على الرغم من تغييره موقفه، ما زال من غير الواضح ما إذا كان سيتمكن من تخطي الخلافات حول السياسية الخارجية، علماً بأن الزعيمين اتفقا حتى الآن على السياسة المالية التي منعت الأحزاب الثلاثة الأخرى من التوصل إلى اتفاق.

أيضاً، ليس واضحاً بعد ما إذا كان كيكل نفسه مستعداً لتلطيف مواقفه المتطرفة من بروكسل أو تأييده موسكو. فهو منذ تولى زعامة حزب الحرية يوجه انتقادات لا تتوقف للاتحاد الأوروبي، كما يعارض الحزب منذ عقود انضمام النمسا للاتحاد، كما يعارض توسعه نحو الشرق. وكل هذا، نسبة عالية جداً من الوظائف في البلاد تعتمد على الاتحاد الأوروبي.

الموقف من روسيا وحرب أوكرانيا

من جانب آخر، لا يخفي هربرت كيكل معارضته الشديدة لموقف النمسا الراهن من روسيا وأوكرانيا. وبالفعل، عندما توجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بكلمة عبر دائرة الفيديو إلى البرلمان النمساوي، وقف كيكل وغادر الجلسة اعتراضاً ومعه نواب حزبه. أما تبرير كيكل لذلك فهو «حياد النمسا» التي اعتُمد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهى مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ومن دون شك، فإن حكومة نمساوية معارضة للعقوبات على روسيا، ستعقّد مهمة بروكسل تجديد تلك العقوبات مع اتساع دائرة الدول الأوروبية المؤيدة لموسكو والتي تضم حالياً المجر وسلوفاكيا. ومعلوم، أن علاقة حزب الحرية مع موسكو تتخطى العلاقات الاقتصادية التي تطبع على الأرجح علاقات روسيا مع المجر وسلوفاكيا اللتين تستفيدان من الغاز الروسي البخس الثمن. فحزب الحرية وقّع عام 2016 «اتفاقية صداقة» مع روسيا حدّدت أطر التعاون بين الطرفين.

أخيراً، وفي الأحوال، تنتظر النمسا سنوات من التغيرات الكبيرة على الأرجح في حال نجح كيكل بتشكيل حكومة. أما في حال فشله، فقد تتجه البلاد مرة جديدة لانتخابات قد لا تفرز نتائج مختلفة عن الأولى، بل ربما تعزّز قوة الحزب المتطرف وتعطي زعيمه حججاً إضافية إلى تبني المزيد من السياسات الأكثر تطرّفاً. منذ تولى زعامة حزب الحرية وهو يوجّه انتقادات لا تتوقف للاتحاد الأوروبي… كما يعارض وحزبه منذ عقود انضمام النمسا للاتحاد الأوروبي



المصدر


اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading