المعروض النقدي لدى البنوك السعودية يصل إلى 786 مليار دولار، وحصة الودائع لأجل والادخار عند أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً
الرياض: وصل المعروض النقدي للبنوك السعودية إلى 2.95 تريليون ريال سعودي (785.51 مليار دولار) في نوفمبر، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 10.3 بالمائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفقًا للبيانات الرسمية.
كشفت الأرقام الصادرة عن البنك المركزي السعودي، المعروف أيضًا باسم مؤسسة النقد العربي السعودي، أن الودائع الزمنية والودائع الادخارية وصلت إلى أعلى نسبة مئوية من المعروض النقدي منذ أكثر من 15 عامًا، حيث بلغت 33.61 بالمائة أو 989.99 مليار ريال.
كما سجلت هذه الودائع أسرع معدل نمو بين كافة مكونات عرض النقود، حيث ارتفعت بنسبة 18.10 في المائة.
وشكلت الودائع تحت الطلب الحصة الأكبر بنسبة 48,76%، بانخفاض طفيف عن حصتها البالغة 50% في العام السابق، رغم أنها نمت بنسبة 7,69% خلال هذه الفترة. وتشكل المكونات المتبقية مجتمعة ما نسبته 17.63% من إجمالي عرض النقود.
وقال إدموند كريستو، كبير محللي الصناعة في بلومبرج إنتليجنس، لصحيفة عرب نيوز: “إن دور المقرضين المحليين في تمويل المشاريع يتطلب المزيد من الأموال النقدية، مما يدعم أمثال السعودي الفرنسي والبنك العربي الوطني والراجحي والبنك الوطني السويسري الذين يصدرون سندات متوسطة الأجل مقومة باليورو”.
وأضاف: “إن قيام البنك المركزي السعودي بوضع أموال الدولة على الودائع لأجل ساعد في التدفق النقدي للبنوك، إلى جانب عمليات السوق المفتوحة و31 مليار دولار من مبيعات الديون منذ عام 2022 أو 25 مليار دولار باستثناء مبادلة مخاطر الائتمان الخاصة بالبنك الوطني السويسري”.
ووفقا للمحلل، فإن هذه الزيادة في الودائع لأجل هي تطور مدفوع بظروف السيولة الأكثر صرامة وارتفاع أسعار الفائدة. ويعكس هذا الارتفاع التدابير الإستراتيجية التي اتخذتها البنوك المحلية للتعامل مع الطلب القوي على القروض مع جذب الأموال لتحقيق الاستقرار في ميزانياتها العمومية.
وكشفت البيانات الأخيرة الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي أن نمو الودائع يتخلف قليلاً عن إصدار القروض، مما يضع بعض الضغوط على السيولة. ونمت القروض بنسبة 13.33 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر، متجاوزة الزيادة البالغة 10.52 بالمئة في الودائع. وقد دفع هذا الخلل البنوك إلى التنافس على المودعين من خلال تقديم عوائد جذابة على الودائع لأجل.
تقود المملكة العربية السعودية مشاريع حكومية كبيرة لدعم طموحاتها في رؤية 2030، مع التركيز الشديد على نشاط البناء لتحويل البنية التحتية والسياحة والمشهد الاقتصادي العام.
وتتطلب هذه المشاريع، التي تتراوح بين المدن الكبرى مثل نيوم إلى مشاريع البنية التحتية الهامة، مبالغ هائلة من التمويل، وقد لعبت البنوك دورا حاسما في تمويلها. ولدعم هذه المساعي واسعة النطاق، ارتفع الطلب على الائتمان.
وصلت أسعار الفائدة في المملكة العربية السعودية أيضًا إلى مستويات مرتفعة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ربط الريال بالدولار الأمريكي، والذي تأثر بالسياسة النقدية المتشددة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي والتي تهدف إلى مكافحة التضخم.
وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ذروتها، حيث ارتفعت إلى 6 في المائة. ومع ذلك، مع تراجع مستويات التضخم، حدث تحول في السياسة النقدية منذ سبتمبر/أيلول، حيث نفذت مؤسسة النقد العربي السعودي ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة – واحدة من 50 نقطة أساس، يليها تخفيضان إضافيان بمقدار 25 نقطة أساس.
ويشير هذا التحول إلى موقف سياسي أكثر مرونة، ومن المرجح أن يخفف بعض الضغوط على تكاليف الاقتراض مع الحفاظ على الاستقرار المالي.
وتؤكد الزيادة في الودائع لأجل تحولا في نهج القطاع المصرفي السعودي تجاه التمويل. تعمل البنوك على تحفيز المدخرين من خلال عوائد أعلى لضمان الاستقرار، خاصة مع نمو الطلب على الائتمان بسبب مشاريع رؤية 2030 الطموحة في المملكة العربية السعودية.
توفر الودائع لأجل مصدر تمويل أكثر قابلية للتنبؤ به مقارنة بالحسابات تحت الطلب، والتي يمكن أن تتقلب بشكل كبير. ويساعد هذا التحول الاستراتيجي البنوك على مواءمة هيكل تمويلها مع متطلبات الإقراض طويلة الأجل، وخاصة لمشاريع البنية التحتية والبناء.
انتشار سايبور العالي لتعزيز التمويل
يوضح كريستو أن الفارق المرتفع البالغ 115 نقطة أساس بين سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية، المعروف باسم سايبور، وسعر التمويل الليلي المضمون في الولايات المتحدة، يوضح مشهد السيولة الضيق.
ويعني ارتفاع سايبور مقارنة بـ SOFR أن تكاليف الاقتراض والتمويل في المملكة العربية السعودية أعلى نسبيًا من تلك الموجودة في الولايات المتحدة. تاريخياً، كان هذا الفارق يحوم حول 70 نقطة أساس، لكن الطلب المستمر على الائتمان أبقاه أعلى بشكل ملحوظ.
وقال المحلل: “إن انتشار سايبور البالغ 115 نقطة أساس فوق سعر التمويل المضمون لليلة واحدة مقابل النطاق التاريخي الطبيعي البالغ 70 نقطة أساس – على الرغم من التحسن مقابل أزمة السيولة لعام 2022 – يظهر أن السيولة لا تزال محدودة”.
وفي بيئة تظل فيها تدفقات الودائع معتدلة، تحولت البنوك أيضا إلى الاقتراض الخارجي، بما في ذلك إصدار سندات مقومة باليورو، لسد فجوات التمويل.
وقد استفاد المقرضون المحليون، مثل بنك الراجحي والبنك الوطني السعودي والبنك السعودي الفرنسي، من هذه الأدوات لدعم احتياجاتهم من السيولة، وفقًا للمحلل.
وبينما لا تزال السيولة مقيدة، فإن البيئة الحالية تمثل تحسنًا مقارنة بعام 2022 وفقًا للمحلل، عندما واجهت البنوك السعودية ضغوطًا حادة بسبب ارتفاع الطلب على الائتمان.
وقد أدى إصدار مؤسسة النقد العربي السعودي لسندات ديون تزيد عن 31 مليار دولار منذ عام 2022، إلى جانب التدابير الداعمة الأخرى، إلى تخفيف بعض الضغوط. ومع ذلك، قال كريستو إن القطاع المصرفي يجب أن يستمر في مواجهة التحديات النظامية للحفاظ على النمو على المدى الطويل.
نسبة القروض إلى الودائع أقل من الحد المسموح به
وظلت نسبة القروض إلى الودائع في البنوك السعودية ثابتة عند 82.16% في نوفمبر، على الرغم من نمو القروض بأكثر من 13% سنويًا، وهو ما يفوق نمو الودائع خلال نفس الفترة.
يعد LDR مؤشرًا رئيسيًا تستخدمه البنوك لقياس نسبة القروض الممنوحة مقارنة بالودائع التي تحتفظ بها. وفي هذه الحالة، على الرغم من أن الطلب على القروض زاد بوتيرة أسرع من نمو الودائع، فقد ظلت النسبة أقل من الحد التنظيمي البالغ 90%.
ومن المرجح أن يعود الاستقرار في نسبة القروض إلى القروض إلى الدعم من مصادر التمويل الأخرى، مثل إصدارات الديون والاكتتابات الخاصة. وقد ساعدت طرق التمويل البديلة هذه البنوك في الحفاظ على سيولتها وضمان قدرتها على الاستمرار في الإقراض دون الاعتماد بشكل مفرط على الودائع، وفقًا لكريستو.
ووفقاً لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في يونيو/حزيران، يتمتع القطاع المصرفي السعودي بالمرونة، حيث تشير اختبارات الضغط إلى أن البنوك والشركات غير المالية قادرة على تحمل الصدمات، حتى في السيناريوهات الصعبة.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى اهتمام وثيق لتحقيق التوازن بين نمو الائتمان والتمويل والمخاطر النظامية، خاصة مع تسارع المشاريع الحكومية واسعة النطاق في إطار رؤية 2030.
وفي حين تتمتع البنوك برأس مال جيد، وربحية، وتحافظ على سيولة عالية مع انخفاض القروض المتعثرة، فإن هناك مخاطر محتملة مرتبطة بالنمو الائتماني السريع والاعتماد المتزايد على مصادر التمويل غير الودائع.
ولإدارة هذه المخاطر، قد تحتاج مؤسسة النقد العربي السعودي إلى تعديل سياساتها، مثل إعادة النظر في حدود القرض إلى القيمة، والمبادئ التوجيهية لعبء الدين، ونسب القروض إلى الودائع.
ومن الممكن أن تساعد الأدوات المحسنة، مثل رأس المال العازل لمواجهة التقلبات الدورية، في الاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية. علاوة على ذلك، فإن تحسين المراقبة ــ مثل تتبع أسعار المساكن وتعرض البنوك للمشاريع الضخمة ــ من شأنه أن يوفر صورة أوضح للمخاطر.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.