«السينما الخضراء»… هل العالم العربي جاهز لصناعة أفلام صديقة للبيئة؟
في فيلم «البحث عن أم الغيث»، تعيد 3 سيّداتٍ إحياء طقوسٍ قديمة في مسعى منهنّ لري أرضٍ يهددها العطش. العمل الوثائقي الأردني ما زال قيد الإنتاج، وهو يتّخذ من تلك السيدات بطلاتٍ يكافحن آثار التغيّر المناخي على طريقتهنّ. لا يكتفين بالغناء استجلاباً للمطر، إنما يبتكرن أساليب فعّالة لحصاد المياه، مثل إعادة إحياء الزراعات التقليدية.
لا يقتصر الهمّ البيئي في هذا الفيلم على المحتوى؛ بل يعتمد في تصويره وتنفيذه أساليب صديقة للبيئة. بخُطى خجولة إنما واعدة، يدخل مفهوم «السينما الخضراء» إلى العالم العربي.
ما هي السينما الخضراء؟
يشرح منتج الأفلام الأردني بسام الأسعد -في حديثٍ مع «الشرق الأوسط»- هذا المفهوم الحديث، موضحاً أنّ «السينما الخضراء هي الصناعة السينمائية الصديقة للبيئة التي تراعي في عملها عوامل الأثر البيئي لإنتاج الأفلام، سواء أكان بطريقة تنفيذها أو بدعمها القضايا البيئية والمناخية من خلال محتواها».
ليس من الضروري أن يعالج فيلم ما قضية بيئية كي يلتزم بقواعد الصناعة السينمائية الخضراء. ويجسّد الفيلم البريطاني «1917» خير نموذجٍ لذلك، فرغم إنتاجه الضخم وسَردِه قصة طالعة من الحرب العالمية الأولى، لم يتهاون الفيلم الحائز 3 جوائز «أوسكار»، في تخفيض بصمته الكربونية أقصى المستطاع.
كيف تنتج فيلماً أخضر؟
يعدّد الأسعد -وهو استشاري في مجال السينما الصديقة للبيئة- بعض عناصر الخطة التي يمكن اعتمادها للتخفيف من البصمة الكربونية خلال تصوير الأفلام. من بين تلك الأساليب: «استخدام إضاءة أقل استهلاكاً للطاقة كإنارة الـLED مثلاً، أو الاعتماد على النور الطبيعي، واستخدام المولّدات الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية بدلًا من التي تعمل بالمازوت».
كما تعمد الفِرق الإنتاجية الحريصة على السينما الخضراء إلى التخفيف من التنقّل بالسيارات لمسافاتٍ طويلة، والاستعانة بأدواتٍ قابلة لإعادة الاستخدام أو التدوير، سواء في أواني الطعام، أو الديكور، أو الملابس: «من دون أن يؤثّر ذلك على التنفيذ الإبداعي للمخرج»، وفق الأسعد.
ومن ضمن الخطوات المتّبعة، استخدام النفايات العضوية الناتجة عن التصوير كأسمدة، وإرسال ما تبقّى من نفايات إلى إعادة التدوير.
«نتفليكس» الخضراء
ليست السينما الخضراء مفهوماً مستجداً في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وأوروبا. يشير الأسعد إلى أنّ بريطانيا تبنّتها في مطلع الألفيّة الثالثة من خلال تجارب مستقلّة، وقد تأطّرت لاحقاً عن طريق مؤسستَي «بافتا»، و«بي بي سي». أما هوليوود فتحفّز صنّاع الأفلام على الحرص البيئي، عبر تخفيضات ضريبية يستفيدون منها في عملية الإنتاج، كل ذلك تحت لواء قوانين جرى سنّها خصيصاً لهذا الغرض.
بدورها، تقدّم «نتفليكس» نموذجاً ناجحاً من الوعي البيئي. يتحدّث الأسعد بإعجاب عن تجربة المنصة العالمية التي «قررت منذ سنتَين أن تجعل من إنتاجاتها الأصليّة كافة حياديّة الكربون». ويضيف أنّ الأمر لا يقتصر على الصناعة الدراميّة فحسب؛ بل ينسحب على تشغيل معدّات البثّ الخاصة بالمنصة بطريقة صديقة للبيئة.
«شاشة أكثر اخضراراً»
بدأ مفهوم السينما الخضراء الدخول إلى العالم العربي سنة 2014، وقد لعب الأسعد دوراً أساسياً في هذا المجال، جامعاً ما بين اختصاصه السينمائي وهاجسه الشخصي بحماية البيئة. شارك عام 2017 في تأسيس شركة Greener Screen (شاشة أكثر اخضراراً) التي تهدف إلى نشر الوعي البيئي في صناعة الأفلام والمحتوى في المنطقة العربية، وتعمل بالموازاة على تخفيض البصمة الكربونية لهذه الصناعة.
يتوزّع نشاط الشركة على عواصم عربية عدة، وقد تعاونت مع مؤسسة «أفلامُنا» اللبنانية، لإطلاق «الدليل الأخضر».
يشرح الأسعد بأن تلك الوثيقة هي بمنزلة «منصة مفتوحة لصنّاع الأفلام كي يتعلّموا، من دون الاستعانة بأحد، كيف ينتجون أفلامهم بطريقة صديقة للبيئة».
متى «تخضرّ» السينما العربية؟
في الأردن، وبمباركة من «الهيئة الملكية للأفلام»، تتواصل ورشات العمل والدورات التدريبية على أساسيات إنتاج المحتوى المستدام بيئياً. وقد تلا ذلك إطلاق «مختبر النص الأخضر» الذي «يساعد المخرجين على تضمين أفلامهم -أياً كان نوعها- أفكاراً توصِّل رسالة بيئية، من دون أن تكون نافرة أو خارجة عن السياق»، وفق ما يوضح الأسعد.
رغم هذا المجهود النظريّ، فإنّ التطبيق ما زال خجولاً في المنطقة العربية؛ إذ يقتصر الإنتاج السينمائي المراعي للبيئة على تجارب مستقلّة ومعدودة؛ من بينها على سبيل المثال فيلم «كوستا برافا» من لبنان و«ترويدة» من الأردن.
لكنّ ذلك لا يمنع الأسعد من توجيه نظرة تفاؤليّة إلى «الاستوديوهات المطابقة للمعايير البيئية، والتي بُنيت حديثاً في نيوم والعُلا والرياض في المملكة العربية السعودية»، وكذلك إلى العمل الجاري على سنّ قوانين راعية للسينما الخضراء في عددٍ من الدول العربية، مثل السعودية والإمارات والأردن. مع العلم بأنّ الأماني من أجل سينما صديقة للبيئة لا يمكن أن تصبح واقعاً، إن لم تتسلّح بقوانين سارية المفعول «تنظّم القطاع، وتقدّم حوافز، وتفرض غراماتٍ على الجهات التي تتسبب في التلويث خلال إنتاج الأفلام والمحتوى»، وفق تعبير الأسعد.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.