احتقان بين الكوادر التعليمية بسبب «شبهات فساد»
تصاعد الاحتقان وسط دعوات للتظاهر ضد حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، من جانب الأوائل والمعيدين وحملة الماجستير في جامعات ليبية، بسبب ما وصفوه «شبهات» ترتقي إلى «الفساد» عبر ابتعاث أقارب مسؤولين للدراسة خارج البلاد على نفقة الدولة.
وكان رئيس الرقابة الإدارية، عبد الله قادربوه، قد كشف النقاب عن «وقائع فساد» في بعثات الدراسة بالخارج، من بينها «إيفاد 7 أفراد من عائلة واحدة، ورجل وزوجاته الأربعة للدراسة على حساب الدولة»، ضمن حديثه عن أسباب وقف البعثات. فيما عد النائب الليبي، جبريل أوحيدة، هذا الملف «أحد أبواب الفساد المشرعة».
ومنذ سنوات تقود تجمعات مهنية غير رسمية لأعضاء هيئة التدريس الجامعي، من بينها «تنسيقية معيدي ليبيا»، حملة إعلامية وتظاهرات ضد حكومة الدبيبة ووزير التعليم العالي، عمران القيب، على خلفية ما تقول إنه «تلاعب بملف الموفدين للتعليم في الخارج».
وبعد قرار صدر منتصف يناير (كانون الثاني) 2025 عن هيئة الرقابة الإدارية بوقف البعثات الخارجية، جددت «تنسيقية المعيدين» الحديث عن وثائق مسربة مند العام الماضي، تفيد «بابتعاث الآلاف، بين مزور وابن مسؤول وقريب وزير، عبر دمجهم في قرارات ما يعرف بأسر الجرحى والمفقودين والتخصصات النادرة».
حديث الرقابة الإدارية عن هذه التجاوزات فاقم الاستياء بين معيدين بالجامعات الليبية، علماً أن عددهم يبلغ نحو 12 ألف معيد، حسب تقديرات حكومية.
ومن بين هؤلاء المتضررين، الصيد بن عياد، الذي بقي معيداً في قسم طب الأسنان بجامعة طرابلس لأكثر من 12 عاماً، ولم يستطع الحصول على ما عده «حقاً في بعثة إلى الخارج»، رغم صدور قرار بذلك منذ عام 2015، بحجة نقص التمويل الحكومي اللازم.
وأبدى بن عياد دهشته في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «الشبهات والاستثناءات، التي لاحقت الإيفاد بالخارج، في مقابل تعنت الدبيبة والقيب في استكمال الدراسة الأكاديمية لتخصص نادر في مجال طب الأسنان غير المتوفر في ليبيا».
وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها ملف الإيفاد الدراسي الجدل بين الأوساط الأكاديمية الليبية. وللتذكير فإن القيب، سبق أن أصدر في سبتمبر (أيلول) 2022 قراراً بإيفاد طلاب للدراسة بالخارج قبل أن يضطر الدبيبة إلى إلغائه تحت ضغط رفض واسع، واكب تداول قائمة الأسماء، التي ضمت طلاباً كثيرين من أسرة واحدة من طرابلس، وكذلك أبناء مسؤولين، وهو ما أثار حالة من اللغط والرفض.
لم يتوقف الاحتقان عند غرب ليبيا، إذ أكد عبد الرحمن الجروشي، عضو نقابة هيئة التدريس بجامعة بنغازي، أنه لم يستطع نيل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من الخارج منذ سنوات بسبب عقبات مالية تواجه «الابتعاث للخارج».
ويبدي الجروشي لـ«الشرق الأوسط» أسفه من أن «الحجة كانت عجز الدولة عن تغطية هذا الإنفاق، لنكتشف أن ملف الإيفاد اقتصر فقط على المقربين من السلطة وعائلاتهم في غرب البلاد سنة 2023»، وفق اعتقاده.
وفيما اكتفى وزير التعليم العالي بالحديث عن «أهمية إعادة النظر في كل قرارات الإيفاد لضمان الشفافية والعدالة»، دون الرد على الاتهامات، بادرت الرقابة الإدارية بتشكيل لجنة حكومية لمراجعة قرارات الإيفاد الدراسي السابقة، ومدى مطابقتها لصحيح التشريعات، وهو ما عدته «تنسيقية معيدي ليبيا» «خطوة جيدة ومهمة» لتحقيق العدالة، داعية إلى «خطوات رادعة لإيقاف المخالفين».
وإذ يقر الأستاذ بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد في طرابلس، د.عبد الواحد القمودي، بوجود «سوء استعمال السلطة للأجهزة والهيئات والمؤسسات الإدارية المختلفة في التعيين والإيفاد»، فإنه يتوقع أن يكون قرار هيئة الرقابة الإدارية «مؤقتاً لتصحيح الواقع المبني على الوساطة، ومن ثم التوصل إلى صيغة علمية وعادلة لمعالجة التعيينات والإيفاد للدراسة بالخارج».
الملاحظ في هذا السياق أن منح الطلاب الليبيين الموفدين للدراسة بالخارج تضاعفت العام الماضي، إذ بلغت 207 ملايين دولار حتى نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، مقارنة بـ102 مليون دولار في عام 2023 بأكمله، وفق بيانات حديثة صادرة عن مصرف ليبيا المركزي.
ووسط حديث عن «المحسوبية»، لا يرى النائب الليبي، جبريل أوحيدة، مخرجاً سوى «إقفال ملف الإيفاد راهناً»، عادّاً أنه «أحد أبواب الفساد المشرعة المبني على المحسوبية بوصفه أحد مصادر الارتزاق على حساب المجتمع، وبعيداً عن أي عدالة اجتماعية، ودون عائد يذكر على العملية التعليمية المتردية على جميع مستوياتها».
ويوصى النائب الليبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «الباحثين عن تحصيل علمي حقيقي بالدراسة على نفقتهم في الخارج، أسوة بأبناء عائلات كادحة لا وساطة ومحسوبية لهم لدى المسؤولين الفاسدين»، وفق تعبيره.
لكن تبقى المعضلة أن مستقبل الكثير من المعيدين بات في «طي المجهول»، بعدما أصبحوا أمام خيارين، أحدهما التحول إلى وظائف إدارية (وفق قرار حكومي)، أو استكمال دراساتهم العليا في الداخل، رغم عدم وجود تخصصاتهم، وهو ما عده الصيد بن عياد «دخول في معادلة صفرية تقود إلى الإحباط».
ومع انسداد الأفق نحو الحل، أطلقت نقابات وتجمعات لأعضاء في هيئات التدريس الجامعية دعوات جديدة للتظاهر أمام مقر حكومة طرابلس، بعد انتهاء الاحتفالات بثورة 17 فبراير، وهو الموعد الذي فسره الجروشي على أنه محاولة «النأي بالمظاهرات عن محاولات التسيسس، أو المزايدات لأغراض خارج مضمون الحراك».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نظمت وقفات احتجاجية للمعيدين والأوائل وأعضاء هيئة التدريس المطالبين بكل حقوقهم أمام مقر وزارة التعليم العالي في العاصمة طرابلس.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.