إردوغان يتهم إسرائيل بمحاولة «نسف الثورة» في سوريا

فرنسا تراهن على المؤتمر الدولي في نيويورك كرافعة للعودة إلى الحل السياسي
اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، تبدو الدبلوماسية الفرنسية معبأة لمصلحة إنجاح المؤتمر الدولي المقرر عقده في الأمم المتحدة، في يونيو (حزيران) المقبل، تحت رعاية المنظمة الدولية وبرئاسة سعودية – فرنسية لغرض إعادة إطلاق مسار سياسي للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ويأتي ذلك فيما الأفق مكفهر بسبب تواصل الحرب في غزة وتكاثر الخطابات الداعية، من جهة، إلى ترحيل سكان القطاع قسراً، ومن جهة ثانية، إلى ضم الضفة الغربية.
ولأن باريس تستشعر أن ما يحصل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من شأنه أن يئد نهائياً الحل السياسي وولادة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون بادر إلى رمي ورقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وربطه بالمؤتمر الدولي لإطلاق ما تسميه باريس «ديناميكية سياسية» عنوانها «الاعترافات المتبادلة» التي تعني تعميم الاعتراف بدولة إسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومثلت زيارة الأيام الثلاثة التي قام بها ماكرون إلى مصر والمحادثات التي حصلت بهذه المناسبة، الفرصة المثالية لذلك؛ فالرئيس الفرنسي تشاور طويلاً مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وشارك في قمة ثلاثية ضمت أيضاً ملك الأردن عبد الله الثاني. وعمد القادة الثلاثة إلى إجراء اتصال جماعي بالرئيس الأميركي دونالد ترمب للتشديد على نقطتين مهمتين: الأولى الضرورة المطلقة لوقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى المبادرة الأميركية التي طرحت وتم العمل بها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن يدوسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعاود حرب غزة. والثانية، الحاجة الملحة لمعاودة إيصال المساعدات الإنسانية للقطاع الواقع تحت الحصار الإسرائيلي المطلق منذ الثاني من مارس (آذار).
غير أن الثلاثة وظفوا أيضاً فرصة المحادثة الهاتفية للترويج للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة التي تبنتها الجامعة العربية، الشهر الماضي. ووفق مصادر فرنسية مطلعة، فإن ماكرون سعى للتعرف على بعض العناصر الإضافية للخطة التي تدعمها فرنسا وتعدّها «ذات صدقية»، لكنها تحتاج لبعض التعديلات حتى يسهل طرحها والترويج لها، خصوصاً لدى الجانب الأميركي وأيضاً لدى الجانب الإسرائيلي.
وترى باريس أن هناك عنصرين يحتاجان لتوضيح: الأول يتناول الملف الأمني ومعرفة الجهة أو الجهات التي ستتحمل مسؤولية حفظ الأمن في غزة بعد وقف الحرب. والثاني ملف الحكومة ومعرفة الجهة التي ستتولى إدارة الدفة والتي ستكون مسؤولة عن خطة إعادة الإعمار. وتنطلق باريس من مبدأ أنه لن يكون لـ«حماس» دور قيادي أو أمني أو حكومي في غزة بعد انتهاء الحرب، فضلاً عن جمع السلاح المتوافر لديها.
رغم العقبات الكأداء، تريد الدبلوماسية الفرنسية الدفع إلى الأمام من خلال التغلب على نقاط الاعتراض. ففي الملف الأمني، تزكي باريس خطة تدريب وتأهيل وتشكيل الشرطة الفلسطينية بمساهمة أوروبية للسير في إطار أمني لا يضم «حماس». وترى باريس أن الأمنيين الأوروبيين، ومنهم فرنسيون، الذين كانوا في رفح للإشراف على المعبر وتسهيل نقل المساعدات الإنسانية يمكن اعتبارهم باكورة المساهمة الأوروبية. أما بالنسبة للحوكمة، فإن باريس تدعم عودة السلطة الفلسطينية التي تحتاج إلى تعزيز وتمكين. وترى باريس في عودة السلطة إلى غزة وسيلة من أجل «بناء أفق سياسي».
ويرى الجانب الفرنسي أن العرب والأوروبيين عازمون وقادرون على مساعدة السلطة لإصلاحها من جهة، ولاستعادة حضورها، من جهة ثانية، رغم أن كثيرين يرونها ضعيفة وغير فاعلة، لا بل إنها فقدت شرعتيها بسبب غياب الانتخابات في الضفة وغزة منذ 18 عاماً. ومن هنا، جاءت فكرة إنشاء «هيئة تقنية» لفترة انتقالية يتم خلالها إعادة تأهيل السلطة. لكن الفكرة ما زالت ضبابية وتحتاج لمناقشات وموافقات، خصوصاً أميركية وإسرائيلية، حيث إن واشنطن متحفظة على الخطة العربية، فيما إسرائيل رافضة كلياً لعودة السلطة إلى غزة.
ولأن الوضع على ما هو عليه، فإن ماكرون ينشط دبلوماسياً من خلال اتصالاته، سواء مع القادة العرب أو في الإطار الأوروبي أو مع الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي. ويحرص ماكرون، بحسب المصادر ذاتها، على تذكير الجانب الأميركي بأن التوصل إلى وقف النار في يناير الماضي تم بضغوط أميركية في المقام الأول. وتأمل باريس الآن أن يُعاد فتح الباب أمام المفاوضات، وأن يتم ذلك قبل الجولة التي ينوي ترمب القيام بها إلى الشرق الأوسط في مايو (أيار).
وتعتبر القراءة الفرنسية أنه يتوجب إيجاد «دينامية سياسية» من أجل الذهاب إلى مسار سياسي يفضي إلى حل يضع حداً نهائياً للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال الاستجابة للتطلعات المشروعة للفلسطينيين بأن تكون لهم دولتهم المستقلة، وتوفير الأمن والسلام للإسرائيليين. والمأمول، فرنسياً، أن يتم ذلك بمناسبة المؤتمر الدولي الموعود في نيويورك المرتقب انعقاده على مستوى قادة الدول وبحضور دولي واسع.
ولأن الوضع السياسي في الشرق الأوسط بالغ التعقيد، ولأن كافة المحاولات السابقة للتوصل إلى حل سياسي قد فشلت، فإن باريس تكثف اتصالاتها بالشركاء العرب وغير العرب، وترى في الاعتراف بالدولة الفلسطينية بادرة بالغة الأهمية من شأنها أن تدفع دولاً أوروبية مترددة مثل بريطانيا وألمانيا وغيرهما للاحتذاء بها. ومقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإنها تروج لـ«اعتراف متبادل»؛ بمعنى حث الدول العربية أو غير العربية، كإيران مثلاً، على الاعتراف بدولة إسرائيل.
كبيرة وواسعة الطموحات الفرنسية، كما يبدو. ولا شك أنها تصدر عن قراءة واعية لوضع الشرق الأوسط ولمخاطره. بيد أن المشكلة تكمن في أن باريس ومعها العرب والأوروبيون لا يملكون الكثير من أوراق الضغط التي تتجمع غالبيتها بيد الراعي الأميركي. وحتى اليوم، تبدو إدارة ترمب داعمة حتى النهاية لسياسات نتنياهو، ما يعني تأجيل «أفق» الحل السياسي لسنوات مقبلة.
اكتشاف المزيد من اشراق اون لاين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.